للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مخلّدًا، وقال أهلُ السنة: كل من ارتكب ذنبًا صغيرًا أَوْ كبيرًا ليس الشِّركَ بالله فإنَّ اللَّه تَعَالى جائزٌ أن يَغْفِرَ لَهُ، لأنَّ اللَّه تَعَالى قَالَ: {إِنَّ اللّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} وحديثُ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنّ رجلًا ممن كانَ قَبْلَكُمْ قَتَلَ مائَةَ حَنِيْفٍ إلا واحدًا، ثُمَّ جاءَ إلى راهبٍ فَقَالَ يا راهب إنّي قَتَلْتُ مائَة حنِيْفٍ إلا واحدًا، فهل من توبة؟ فَقَالَ: لا أَرى لَكَ تَوْبَةً، فاغتاظ‍، وقَتَلَ الرَّاهِبَ فجاءَ إلى راهبٍ، فَقَالَ: يا راهب، إني قتلت تسعة وتسعين حنيفا فأتممتهم مائة براهبٍ، هَلْ من تَوبة؟ قَالَ: نَعَم فالزمني وافْعَلْ ما أَفعلُ، قَالَ: فَلَزِمَهُ، فكان يُصلّي إذا صلّى، ويَصومُ إذا صامَ فأمره الرَّاهب يومًا أن يُسجرَ تنورًا فجاء إِلَيْه الراهب ضجرًا، فَقَالَ: قد سَجَرتُ التنَّورَ، فأعاد عَلَيْهِ مرارًا، فَقَالَ الرَّاهِبُ بضجرٍ: مر فأجلس فِيهِ فذهب فألقى نفسه فِي التنَّور فصارً عَلَيْهِ بردًا وسلامًا، فجاءَ الرَّاهب فرأى التنور يتأجج ولم يصب الرجل فلح النَّار، فَقَالَ: بأبي أخرج فأنتَ خيرٌ مني، قَالَ: لا، ولكنْ أخدمك لأنَّك خيرٌ مِني، قَالَ: فَدعني أفارقُك، قَالَ: ذاك إليكَ، فساح فِي البَراري فكان يَأنس بالوَحش، ولا يَضُرّه السّباع حيث قبل اللَّه توبته.

وقولُه تَعَالى: {أوْ يُرْسِلَ رَسُوْلًا}.

قرأ نافعٌ: «أوْ يُرْسِلُ» بالرَّفْعِ «فَيُوحِىْ» بإسكان الياءِ نسقٌ عَلَى «فَيُرْسِلَ» وذلك أنَّ العربَ إذا طال النَّسَقُ خَرَجُوا من النَّصبِ إلى الرِّفعِ. فأمَّا قولُه تَعَالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وَحْيًا} هُوَ أن يُلهم اللَّه عزَّ وجلَّ النَّبيّ عَلَيْهِ السَّلام: أَوْ يوحي اللَّه فِي نومه {أَوْ من وراء حجابٍ} يعني: مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام {أَوْ يُرسلَ رسولًا} يعني ملكًا، كجبريل إلى مُحَمَّد صلّى اللَّه عليهما.

وقرأ الباقون: «أَوْ يُرْسِلَ» «فَيُوْحِيَ» بالنَّصبِ، وليس نسقًا عَلَى أن «أنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ» لأنَّك لو قدرت هَذَا التَّقدير كان فاسدًا؛ لأنَّه كان يصير: وما كان لبشرٍ أن يكلِّمه اللَّه إلا أن يوحي إِلَيْه. ولكنْ نَسَقَهُ عَلَى الوَحي، والتَّأويل: وما كان لبَشَرٍ أن يُكَلِّمَهُ اللهُ إلا أن يُوحي إِلَيْه وحيًا أَوْ يُرْسَلَ رَسُولًا وهذا واضحٌ بحمدِ اللهِ.

قَالَ ابنُ مجاهدٍ: فِي هذه السورة ياءٌ واحدةٌ «ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي» لم يختلف فيها.

<<  <   >  >>