وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِهَا ... نَسِيفًا كَأُفْحُوصِ الْقَطَاةِ الْمُطَرِّقِ
الْمُطَرِّقُ: الَّتِي تُرِيدُ أَنْ تَبِيضَ وَقَدْ تَعَسَّرَ عَلَيْهَا، وَالْأُفْحُوصُ وَالْمَفْحَصُ عُشُّ الطَّائِرِ وَوَكْرُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ».
غَيْرَ أَنَّ ابْنَ كَثِيرٍ يُظْهِرُ الذَّالَ عِنْدَ التَّاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو يُدْغِمُ وَقَدْ ذَكَرْتُ عِلَّتَهُ فِي «الْبَقَرَةِ».
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «لَاتَّخَذْتَ» مِنِ افْتَعَلَ يَفْتَعِلُ نَحْوَ اتَّقَى يَتَّقَى وَاتَّكَى يَتَّكَى وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: تَقَى يَتَقَى خَفِيفًا قَالَ الشَّاعِرُ:
جَلَاهَا الصَّيْقَلُونَ فَأَخْلَصُوهَا ... خِفَافًا كُلُّهَا يَتَقَى بِإِثْرِ
وَأَصْلُهُ مِنْ أَخَذَ يَأْخُذُ فَكَأَنَّ الْأَصْلَ أَيْتَخَذَ، لِأَنَّ الْهَمْزَةَ تَصِيرُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ تُقْلَبُ الْيَاءُ تَاءً وَتُدْغَمُ التَّاءُ فِي التَّاءِ فَالتَّشْدِيدُ من أجل ذَلِكَ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا}.
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ بِتَخْفِيفِ كُلِّ مَا فِي الْقُرْآنِ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ بِتَشْدِيدِ كُلِّ مَا فِي الْقُرْآنِ، وَهُمَا لُغَتَانِ: يُبْدِلُ وَيُبَدِّلُ مِثْلَ يَنْزِلُ وَيُنَزِّلُ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ التَّثْقِيلَ، لِأَنَّ شَاهِدَهُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً} وَلَمْ يَقُلْ: أَبْدَلْنَا، وَقَالَ: {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} وَلَمْ يَقُلْ: لَا إِبْدَالَ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: بَدَّلَ يُبَدِّلُ تَبْدِيلًا وَبِدَالًا، فَهُوَ مُبَدِّلٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: أَبْدَلْتُ الشَّيْءَ: إِذَا أَزَلْتُ الْأَوَّلَ وَجَعَلْتُ الثَّانِيَ فِي مَكَانِهِ كَقَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:
عَزْلُ الْأَمِيرِ لِلْأَمِيرِ الْمُبْدَلِ
وَبَدَّلْتُ الشَّيْءَ مِنَ الشَّيْءِ: إِذَا غَيَّرْتُ حَالَهُ وَعَيْنَهُ، وَالْأَصْلُ بَاقٍ كَقَوْلِكَ: بَدَّلْتُ قَمِيصِيَ جُبَّةً وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} فَالْجِلْدُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْأَوَّلِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَذَابُ إِذَا لَمْ يُبَاشِرِ الْمَعْصِيَةَ، وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَخْفِيفِ كُلِّ ذَلِكَ إِلَّا قَوْلُهُ فِي النُّورِ «وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا أَتَوْا بِالْمَعْنَيَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ عِنْدِي أَنَّهُمْ شَدَّدُوا هَذَا الْحَرْفَ خَاصَّةً إِرَادَةَ تَكْرِيرِ الْفِعْلِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَّلَهُمُ الْأَمْنَ مِنَ الْخَوْفِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ،