للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ}.

قَرَأَ وَالْكِسَائِيُّ «يَبْلُغَانِ عِنْدَكَ» عَلَى الِاثْنَيْنِ لِذِكْرِ الْوَالِدَيْنِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَبِمَ تَرْفَعُ «أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا»؟

فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: يَكُونُ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ «يَبْلُغَانِ».

وَيَجُوزُ أَنْ تَرْفَعَهُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: يَبْلُغَانِ عِنْدَكَ الْكِبَرَ يَبْلُغُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا.

وَيَكُونُ رَفْعًا عَلَى السُّؤَالِ وَالتَّفْسِيرِ كَقَوْلِهِ: {وَأَسَرُّوُا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: «يَبْلُغَنَّ» لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا تَقَدَّمَ لَمْ يُثَنَّ وَلَمْ يُجْمَعْ وَلَا ضَمِيرَ فِيهِ فَيَرْتَفِعُ «أَحَدُهُمَا» بِفِعْلِهِ وَهُوَ «يَبْلُغَنَّ» وَيُنْسَقُ «أَوْ كِلَاهُمَا» عَلَى «أَحَدِهِمَا» هَذَا بَيِّنٌ.

فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ: فَقَالَ: هَلْ أَبَاحَ اللَّهُ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا «أُفٍّ» قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَا الْكِبَرَ؟

فَالْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْوَلَدِ لِجَمَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ الطَّاعَةَ فِي كُلِّ حَالٍ، وَحَظَرَ عَلَيْهِ أَذَاهُمَا، وَإِنَّمَا خَصَّ الْكِبَرَ، لِأَنَّ وَقْتَ كِبَرِ الْوَالِدَيْنِ مِمَّا يَضْطَرُّ الْوَلَدُ إِلَى الْخِدْمَةِ إِذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إِلَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ مَثَلًا لِلْبَارِّ بِأَبَوَيْهِ فَيَقُولُونَ: «فُلَانٌ أَبَرُّ مِنَ النَّسْرِ» وَذَلِكَ أَنَّ النَّسْرَ إِذَا كَبُرَ وَلَمْ يَنْهَضْ لِلطَّيَرَانِ جَاءَ الْفَرْخُ فَزَقَّهُ كَمَا كَانَ أَبَوَاهُ يَزُقَّانِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا}.

إِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الأعجوبة في «وكهلا» في كلام عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا أُعْجُوبَةٌ، وَخَبَّرَ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يَكْتَهِلَ فَيَتَكَلَّمُ بَعْدَ الطُّفُولَةِ، وَنَحْوَهُ قَوْلُهُ: {الأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَمْرَ لَهُ فِي الدُّنْيَا كَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا خَصَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ مَلَّكَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا أَقْوَامًا جَعَلَهُمْ مُلُوكًا وَخُلَفَاءَ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ لَا مَلِكَ سِوَاهُ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ثُمَّ أَجَابَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ.

- وقوله تعالى: {إن قتلهم كان خطأ كَبِيرًا}.

قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ بِرِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ «كَانَ خَطَأً كَبَيرًا» بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْهَمْزِ وَالطَّاءِ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «خِطْأً» بِكَسْرِ الْخَاءِ وَجَزْمِ الطَّاءِ مَقْصُورًا، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ

<<  <   >  >>