قراءة أبي «ليسوأن» لَامَ التَّأْكِيدِ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا}.
قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ «يَلْقَاهُ» مُشَدَّدًا، جَعَلَ الْفِعْلَ لِغَيْرِ الْإِنْسَانِ، أَيِ: الْمَلَائِكَةُ تَلْقَاهُ بِالْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ نُسْخَةُ عَمَلِهِ، وَشَاهِدُهُ: {وَكُلُّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرُهُ}. فَيَلْزَمَ الطَّائِرَ وَيَلْقَى الْكِتَابَ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: «يَلْقَاهُ» جَعَلَ الْفِعْلَ لِلْإِنْسَانِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَلْزَمَهُ طَائِرَهُ لَقِيَ هُوَ الْكِتَابَ وَصَحَائِفَ عَمَلِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}. وَلَمْ يَقُلْ: يُلَقَّ أَثَامًا، وَهَذَا وَاضِحٌ بَيِّنٌ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}.
اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ السَّبْعُ عَلَى «أَمَرْنَا» بِالتَّخْفِيفِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَقَصْرِ الْأَلِفِ، وَلَهُ مَعْنَيَانِ:
أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَةِ فَفَسَقُوا فِيهَا.
وَتَكُونُ مِنَ الْكَثْرَةِ، يُقَالُ: أَمَرَ بني فُلَانٍ إِذَا كَثُرُوا، وَأَمَرَهُمُ اللَّهُ فَهُمْ مَأْمُورُونَ، وَأَمَرَهُمُ فَاللَّهُ مُؤَمِّرٌ، وَهُمْ مُؤَمَّرُونَ.
فَأَمَّا حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْمَالِ: مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أَوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ» فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْمُهْرَةِ الْكَثِيرَةَ النِّتَاجِ، وَإِنْ قِيلَ الْمَأْمُورَةُ، مِنْ أَجْلِ الْمَأْبُورَةِ، وَالسِّكَّةُ: الطَّرِيقُ مِنَ النَّخْلِ، وَالْمَأْبُورَةُ: الْمُصْلَحَةُ الْمُلَقَّحَةُ، وَلَوِ انْفَرَدَتْ لِقِيلَ:
مُؤَمَّرَةٌ، كَمَا يُقَالُ: «جَاءَ بِالْغَدَايَا وَالْعَشَايَا» وَغَدٌ: لَا يُجْمَعُ عَلَى غَدَايَا وَلَكِنْ لَمَّا قَارَنَ الْعَشَايَا أَجْرَى لَفْظَهُ عَلَى لَفْظِهِ لِيَزْدَوِجَ الْكَلَامُ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُقَالُ: أَمَرَ الشَّيْءَ وَأَمَرَهُ غَيْرُهُ كَمَا يُقَالُ: نَزَحَتِ الْبِئْرُ وَنَزَحَتْهَا، وَفَغَرَ فُوهُ وَفَغَرَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الْحَرْفَ، لِأَنَّ خَارِجَةَ رَوَى عَنْ نَافِعٍ، وَحَمَّادَ بْنَ سلمة، عن ابن كثير «أمَرْنَا مُتْرَفِيهَا» مِثْلَ قِرَاءَةِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ جَعَلَهُ مِنَ الْإِمَارَةِ.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنِ السِّمَّرِيِّ عَنِ الْفَرَّاءِ، قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ: «آمِرْنَا مُتْرَفِيهَا».
بِكَسْرِ الْمِيمِ وَمَدِّ الْأَلِفِ وَهَذِهِ رَدِيئَةٌ، لِأَنَّ فَعِلَ لَا يَتَعَدَّى عِنْدَ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ مِنْ أَمِرَ، لِأَنَّ أَمِرَ لَازِمٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ لُغَتَيْنِ فَيُعَدَّى أَمِرَ كَمَا يُعَدَّى أَمَرَ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمَرْنَا، الْأَصْلُ آمَرْنَا فَتُحْذَفُ الْمَدَّةُ كَمَا قَرَأَ بَعْضُهُمْ: «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ».