للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَدْ قَنَطَا، أَيْ: يَئِسَا مِنَ الْوَلَدِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ}، وَيُقْرَأُ «مِنَ الْقَنِطِينَ» وَمَعْنَاهُمَا: مِنَ الْآيِسِينَ.

حَدَّثَنَا ابْنُ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي خَلَّادٍ، عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِي عمرو {فلا تكن من القانطين}، بِغَيْرِ أَلِفٍ.

- قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُطْ‍ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ}.

قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ «يَقْنِطْ‍» بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّ الْمَاضِي مِنْهُ عَلَى قَنَطَ‍ بِفَتْحِ النُّونِ، فَإِذَا كَانَ الْمَاضِي مَفْتُوحًا لَمْ يَجُزْ فِي الْمُضَارِعِ إِلَّا الْكَسْرِ وَالضَّمِّ قَنَطَ‍ يَقْنِطُ‍ وَيَقْنُطُ‍، وَقَرَأَ بِذَلِكَ أَبُو حَيْوَةَ مِثْلَ عَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكِفُ، وَقَدْ أَجْمَعُوا جَمِيعًا عَلَى فَتْحِ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا}. وَلَا يَجُوزُ فَتْحُ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ نَحْوَ ذَهَبَ يَذْهَبُ وَسَخِرَ يَسْخَرُ.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: «وَمَنْ يَقْنَطُ‍» بِفَتْحِ النُّونِ، فَإِنْ جَعَلُوا مَاضِيهِ قَنِطَ‍ بِالْكَسْرِ وَإِلَّا فَهُوَ شَاذٌّ، وَالِاخْتِيَارُ ما قدمت ذكره.

وحكى أبو عمرو، والشيباني قَنَطَ‍ عَنَّا الْمَاءُ قَنْطًا.

- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ}.

قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ «مُنْجُوهُمْ» خَفِيفًا مِنْ أَنْجَى يُنْجِي وَالْأَصْلُ: مُنَجُووهُمْ بِوَاوَيْنِ، الْأُولَى لَامُ الْفِعْلِ نَجَا يَنْجُو وَالثَّانِيَةُ: وَاوُ الْجَمْعِ فَانْقَلَبَتِ الْأُولَى يَاءٌ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا وَهُوَ الْجِيمُ فَصَارَتْ لَمُنْجُيُوهُمْ، فَاسْتَثْقَلُوُا الضَّمَّةَ عَلَى الْيَاءِ فَحُذِفَتْ فَالْتَقَى سَاكِنَانِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ، فَحَذَفُوُا الْيَاءَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَضَمُّوُا الْجِيمَ لِمُجَاوَرَةِ وَاوِ الْجَمْعِ، وَالنُّونُ سَاقِطَةٌ لِلْإِضَافَةِ وَالْأَصْلُ: لَمُنْجُونَهُمْ وَإِنَّا مُنْجُونَكَ فَسَقَطَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ فَصَارَتْ مُنْجُوكَ وَمُنْجُوهُمْ، فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهَا أَصْلٌ لِمَا يَرِدُ عَلَيْكَ مِنْ نَظِيرِهَا.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «لَمُنَجُّوهُمْ» مُشَدَّدًا مِنْ نَجَّى يُنَجِّي، قَالَ قَوْمٌ: نَجَّى وَأَنْجَى وَكَرَّمَ وَأَكْرَمَ لُغَتَانِ، وَقَالَ آخَرُونَ: نَجَّى لِلْتَكْرِيرِ وَالتَّكْثِيرِ، وَقَدْ تَأَمَّلْتُ نَجَا فِي الْعَرَبِيَّةِ فَوَجَدْتُهُ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: نَجَا يَنْجُو مِنْ عَذَابٍ، وَنَجَا يَنْجُو بِمَعْنَى أَنْجَى يُنْجِي:

إِذَا طَافَ وَتَغَوَّطَ‍، قَالَ الشَّاعِرُ: بِمَعْنَى طَافَ:

عَشَّيْتُ جَابَانَ حَتَّى استد مغرضه ... كاد يَنْقَدُّ لَوْلَا أَنَّهُ طَافَا

وَنَجَا يَنْجُو: إِذَا اسْتَكَنَّهُ السَّكْرَانُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

<<  <   >  >>