فَهُوَ مُوهِنُ مِثْلُ أَيْقَنَ يُوقِنُ فَهُوَ مُوقِنٌ، وَهُمَا لُغَتَانِ وَهَّنَ وَأَوْهَنَ غَيْرَ أَنَّ وَهَّنَ أَبْلَغُ مِثْلُ كَرَّمَ وَأَكَرْمَ، وَكُلُّهُمْ يُنَوِّنُ، وَيَنْصِبُونَ الْكَيْدَ إِلَّا حَفْصًا عَنْ عَاصِمٍ، فَإِنَّهُ أَضَافَ وَلَمْ يُنَوِّنْ فَقَرَأَ: «مُوهِنُ كَيْدِ» وَمِثْلُهُ فِي التَّنْزِيلِ: {بَالِغُ أَمْرِهِ} وَ «بَالِغٌ أَمْرَهُ» وَسَأَذْكُرُ جَمِيعَ مَا يُنَوَّنُ وَمَا لَا يُنَوَّنُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي التَّوْبَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {عَزِيرٌ ابْنُ اللَّهِ} غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَوَّنَ أَرَادَ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ كَقَوْلِكَ: الْأَمِيرُ خَارِجٌ الْآنَ وَغَدًا، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ جَازَ أَنْ يُرِيدَ الْمَاضِيَ وَالِاسْتِقْبَالَ كِلَيْهِمَا وَمَنْ أَرَادَ الْمَاضِيَ كَانَ الِاسْمُ الْفَاعِلُ مَعْرِفَةً، وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِقْبَالَ كَانَ اسْمُ الْفَاعِلِ نَكِرَةً وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى مَعْرِفَةٍ لِأَنَّكَ تُرِيدُ بِالْمُتَّصِلِ الْمُنْفَصِلَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وَ {عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}.
قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ «وَأَنَّ اللَّهَ» بِالْفَتْحِ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «وَإِنَّ اللَّهَ» بِالْكَسْرِ، فَحُجَّةُ مَنْ كسر قراءة عبد الله: و {الله مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}. فهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَ «إِنَّ» إِذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً كَانَتْ مَكْسُورَةً، وَمَنْ فَتَحَ أَرَادَ: وَلَوْ كَثُرَتْ وَلِأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا حُذِفَتِ اللَّامُ جُعِلَتْ «أَنَّ» فِي مَحَلِّ النَّصْبِ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا}. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «بِالْعِدْوَةِ الدُّنْيَا» بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْعَدْوَةُ وَالْعُدْوَةُ وَالْعِدْوَاءُ كَمِلْطَاطٍ: حَافَّةُ الْوَادِي وَهُمَا جَانِبَاهُ، كُلُّهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَالْعُدْوَةُ الدُّنْيَا: الْقَرِيبَةُ، وَالْعُدْوَةُ الْقُصْوَى: الْبَعِيدَةُ، وَكَذَلِكَ: «مَكَانًا قَصِيًّا» بَعِيدًا.
فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ: قَصَا يَقْصُو، وَدَنَا يَدْنُو، هُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، فَلِمَ لَمْ يَقُلْ وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْيَا كَمَا قِيلَ الدُّنْيَا؟
فَفِي ذَلِكَ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الدُّنْيَا اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفِعْلِ فَقُلُبِتِ الْوَاوُ يَاءً كَمَا انْقَلَبَتْ فِي دَنَا وَأَدْنَى وَيُدْنِي، وَالْقُصْوَى: اسْمٌ مُخْتَلَقٌ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْفِعْلِ هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الِاسْمَ إِذَا وَرَدَ عَلَى فَعْلَى صَحَّتِ الْوَاوُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ انْقَلَبَتِ الْيَاءُ فِيهِ وَاوًا مِثْلُ الْفُتْوَى وَالتَّقْوَى، وَإِنْ كَانَتْ صِفَةً انْقَلَبَتِ الْوَاوُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute