للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل فقرأ عليهم كتاب رسول الله وسألهم عن الرأى فيه، فاجتمع رأى أهل الرأى منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمدانيّ وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجبار بن فيض الحارثي فيأتوهم بخبر رسول الله ، قال فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللا لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام، وتصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب، فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانوا يعرفونهما فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس. فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا وتصدينا لكلامه نهارا طويلا فاعيانا أن يكلمنا فما الرأى منكما، أترون أن نرجع؟ فقالا لعلى بن أبى طالب وهو في القوم ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟

فقال على لعثمان ولعبد الرحمن أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا اليه، ففعلوا فسلموا فرد سلامهم. ثم قال: «والّذي بعثني بالحق لقد أتونى المرة الاولى وأن إبليس لمعهم، ثم ساءلهم وساءلوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا ما تقول في عيسى فانا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى ليسرنا إن كنت نبيا أن نسمع ما تقول فيه فقال رسول الله «ما عندي فيه شيء يومى هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى» فأصبح الغد وقد أنزل الله ﷿ هذه الآية ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ﴾.

فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشى عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي، وإني والله أرى امرا ثقيلا، والله لئن كان هذا الرجل ملكا متقويا فكنا أول العرب طعن في عيبته ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة وإنا أدنى العرب منهم جوارا، ولئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلا عناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك، فقال له صاحباه: فما الرأى يا أبا مريم؟ فقال رأيي أن أحكمه فانى أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا له أنت وذاك،

قال فتلقى شرحبيل رسول الله فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال «وما هو»؟ فقال حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح، فما حكمك فينا فهو جائز، فقال رسول الله «لعل وراءك أحد يثرب عليك؟» فقال شرحبيل سل صاحبي، فقالا ما يرد

<<  <  ج: ص:  >  >>