بعث ينكر على خالد بن الوليد في دخوله إلى الحمام، وتدلكه بعد النورة بعصفر معجون بخمر، فقال في كتابه: إن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه، كما حرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر فلا تمسوها أجسامكم فإنها نجس، فإن فعلتم فلا تعودوا. فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولا غير خمر. فكتب إليه عمر: إني أظن أن آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء فلا أماتكم الله عليه فانتهى لذلك.
قال سيف: وأصاب أهل البصرة تلك السنة طاعون أيضا فمات بشر كثير وجم غفير، ﵏ ورضى الله عنهم أجمعين. قالوا: وخرج الحارث بن هشام في سبعين من أهله إلى الشام فلم يرجع منهم إلا أربعة. فقال المهاجرين خالد في ذلك.
من يسكن الشام يعرس به … والشام إن لم يفننا كارب
أفنى بنى ريطة فرسانهم … عشرون لم يقصص لهم شارب
ومن بنى أعمامهم مثلهم … لمثل هذا يعجب العاجب
طعنا وطاعونا مناياهم … ذلك ما خط لنا الكاتب
[كائنة غريبة فيها عزل خالد عن قنسرين أيضا]
قال ابن جرير: وفي هذه السنة أدرب خالد بن الوليد وعياض بن غنم، أي سلكا درب الروم وأغارا عليهم، فغنموا أموالا عظيمة وسبيا كثيرا. ثم روى من طريق سيف عن أبى عثمان وأبى حارثة والربيع وأبى المجالد. قالوا: لما رجع خالد ومعه أموال جزيلة من الصائفة انتجعه الناس يبتغون رفده ونائله، فكان ممن دخل عليه الأشعث بن قيس فأجازه بعشرة آلاف فلما بلغ ذلك عمر كتب إلى أبى عبيدة يأمره أن يقيم خالدا ويكشف عمامته وينزع عنه قلنسوته ويقيده بعمامته ويسأله عن هذه العشرة آلاف، إن كان أجازها الأشعث من ماله فهو سرف، وإن كان من مال الصائفة فهي خيانة ثم اعزله عن عمله. فطلب أبو عبيدة خالدا وصعد أبو عبيدة المنبر، وأقيم خالد بين يدي المنبر، وقام إليه بلال ففعل ما أمر به عمر بن الخطاب هو والبريد الّذي قدم بالكتاب. هذا وأبو عبيدة ساكت لا يتكلم، ثم نزل أبو عبيدة واعتذر إلى خالد مما كان بغير اختياره وإرادته، فعذره خالد وعرف أنه لا قصد له في ذلك. ثم سار خالد إلى قنسرين فخطب أهل البلد وودعهم، وسار بأهله إلى حمص فخطبهم أيضا وودعهم وسار إلى المدينة، فلما دخل خالد على عمر أنشد عمر قول الشاعر
صنعت فلم يصنع كصنعك صانع … وما يصنع الأقوام فالله صانع
ثم سأله من أين هذا اليسار الّذي تجيز منه بعشرة آلاف؟ فقال: من الأنفال والسهمان. قال: