للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشافعيّ من أثناء الطريق، فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين الطنبغا في الصلح، وأن يوافق الفخرى في أمره، وأن يبايع الناصر بن الناصر، فأبى فردهم إليه غير مرة، وكل ذلك يمتنع عليهم، فلما كان يوم الاثنين رابع عشره عند العصر جاء بريد إلى متولى البلد عند العصر من جهة الفخرى يأمره بغلق أبواب البلد، فغلقت الأبواب، وذلك لان العساكر توجهوا وتواقفوا للقتال، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.

وذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قطلوبغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة، وجاء بالجيوش من هناك، فاستدار له الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخرى بجماعته إلى ناحيته، ووقف له في طريقه، وحال بينه وبين الوصول إلى البلد، وانزعج الناس انزعاجا عظيما، وغلقت القياسر والأسواق وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب، فركب متولى البلد الأمير ناصر الدين بن بكباشى ومعه أولاده ونوابه والرجالة، فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له، فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد، فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة، وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة، واتفق أنها ليلة الميلاد، وبات المسلمون مهمومون بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية، والأمر على ما هو عليه، فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع الطنبغا وأمراؤه، واتفق أمراء دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلوا مسلما ولا يسلوا في وجه الفخرى وأصحابه سيفا، وكان قضاة الشام قد ذهبوا إليه مرارا للصلح، فيأبى عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه، وقويت نفسه عليه انتهى. والله أعلم بالصواب.

[عجيبة من عجائب الدهر]

فبات الناس متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين أو ثلاثة، وكانت ليلة مطيرة، فما أصبح الصبح إلا وقد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخرى خلق كثير من أجناد الحلفاء ومن الأمراء والأعيان، وطلعت الشمس وارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخرى يتهدده ويتوعده ويقوى نفسه عليه. فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب، ومن كل جانب مقفرين إلى الفخرى، وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الأطعمة وعلف الدواب، وكثرة ما معهم من الكلف، فرأوا أن هذا حال يطول عليهم، ومقتوا أمرهم غاية المقت، وتطايبت قلوبهم وقلوب أولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئا، فبايعوا على المخامرة عليه، فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة، فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء وصحبته

<<  <  ج: ص:  >  >>