وروى الخطيب بسنده إليه أنه قال: علم الأولين والآخرين مرجعه إلى أربع كلمات: حب الجليل وبغض القليل، واتباع التنزيل، وخوف التحويل.
قلت: وقد أخطأ الحلاج في المقامين الأخيرين، فلم يتبع التنزيل ولم يبق على الاستقامة بل تحول عنها إلى الاعوجاج والبدعة والضلالة، نسأل الله العافية.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي عن عمرو بن عثمان المكيّ: أنه قال: كنت أماشى الحلاج في بعض أزقة مكة وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فقال: يمكنني أن أقول مثل هذا، ففارقته. قال الخطيب:
وحدثني مسعود بن ناصر أنبأنا ابن باكوا الشيرازي سمعت أبا زرعة الطبري يقول: الناس فيه - يعنى حسين بن منصور الحلاج - بين قبول ورد ولكن سمعت محمد بن يحيى الرازيّ يقول سمعت عمرو بن عثمان يلعنه ويقول: لو قدرت عليه لقتلته بيدي. فقلت له: أيش الّذي وجد الشيخ عليه؟ قال قرأت آية من كتاب الله فقال: يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به. قال أبو زرعة الطبري:
وسمعت أبا يعقوب الأقطع يقول: زوجت ابنتي من الحسين الحلاج لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده، فبان لي منه بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال، خبيث كافر. قلت: كان تزويجه إياها بمكة، وهي أم الحسين بنت أبى يعقوب الأقطع فأولدها ولده أحمد بن الحسين بن منصور، وقد ذكر سيرة أبيه كما ساقها من طريق الخطيب. وذكر أبو القاسم القشيري في رسالته في باب حفظ قلوب المشايخ: أن عمرو بن عثمان دخل على الحلاج وهو بمكة وهو يكتب شيئا في أوراق فقال له:
ما هذا؟ فقال: هو ذا أعارض القرآن. قال: فدعا عليه فلم يفلح بعدها، وأنكر على أبى يعقوب الأقطع تزويجه إياه ابنته. وكتب عمرو بن عثمان إلى الآفاق كتبا كثيرة يلعنه فيها ويحذر الناس منه، فشرد الحلاج في البلاد فعاث يمينا وشمالا، وجعل يظهر أنه يدعو إلى الله ويستعين بأنواع من الحيل، ولم يزل ذلك دأبه وشأنه حتى أحل الله به بأسه الّذي لا يرد عن القوم المجرمين، فقتله بسيف الشرع الّذي لا يقع إلا بين كتفي زنديق، والله أعدل من أن يسلطه على صديق، كيف وقد تهجم على القرآن العظيم، وقد أراد معارضته في البلد الحرام حيث نزل به جبريل، وقد قال تعالى ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ﴾ ولا الحاد أعظم من هذا. وقد أشبه الحلاج كفار قريش في معاندتهم، كما قال تعالى عنهم ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾
[ذكر أشياء من حيل الحلاج]
روى الخطيب البغدادي أن الحلاج بعث رجلا من خاصة أصحابه وأمره أن يذهب بين يديه إلى بلد من بلاد الجبل، وأن يظهر لهم العبادة والصلاح والزهد، فإذا رآهم قد أقبلوا عليه وأحبوه واعتقدوه أظهر لهم أنه قد عمى، ثم يظهر لهم بعد أيام أنه قد تكسح، فإذا سعوا في مداواته، قال لهم: يا جماعة