فقال: أيها الوزير إن أمى منذ كنت صغيرا كل ليلة تضع تحت وسادتي رغيفا، فإذا أصبحت تصدقت به عنى، فلم يزل كذلك دأبها حتى ماتت. فلما ماتت فعلت أنا ذلك مع نفسي، فكل ليلة أضع تحت وسادتي رغيفا ثم أصبح فأتصدق به. فعجب الوزير من ذلك وقال: والله لا ينالك منى بعد اليوم سوء أبدا، ولقد حسنت نيتي فيك، وقد أحببتك. وقد أطال ابن خلكان ترجمته فذكر بعض ما أوردناه في ترجمته.
[محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث بن عبد الرحمن]
أبو بكر الأزدي الواسطي، المعروف بالباغندي، سمع محمد بن عبد الله بن نمير، وابن أبى شيبة وشيبان بن فروخ، وعلى بن المديني، وخلقا من أهل الشام ومصر والكوفة والبصرة وبغداد، ورحل إلى الأمصار البعيدة، وعنى بهذا الشأن، واشتغل فيه فأفرط، حتى قيل إنه ربما سرد بعض الأحاديث بأسانيدها في الصلاة والنوم وهو لا يشعر، فكانوا يسبحون به حتى يتذكر أنه في الصلاة، وكان يقول: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف مسألة من الحديث لا أتجاوزه إلى غيره. وقد رأى رسول الله ﷺ في منامه فقال له: يا رسول الله أيما أثبت في الأحاديث منصور أو الأعمش؟ فقال له: منصور.
وقد كان يعاب بالتدليس حتى قال الدار قطنى: هو كثير التدليس، يحدث بما لم يسمع، وربما سرق بعض الأحاديث والله أعلم.
[ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة]
قال ابن الجوزي: في ليلة بقيت من المحرم انقض كوكب من ناحية الجنوب إلى الشمال قبل مغيب الشمس، فأضاءت الدنيا منه وسمع له صوت كصوت الرعد الشديد. وفي صفر منها بلغ الخليفة أن جماعة من الرافضة يجتمعون في مسجد براثى فينالون من الصحابة ولا يصلون الجمعة، ويكاتبون القرامطة ويدعون إلى محمد بن إسماعيل الّذي ظهر بين الكوفة وبغداد، ويدعون أنه المهدي، ويتبرءون من المقتدر وممن تبعه. فأمر بالاحتياط عليهم واستفتى العلماء بالمسجد فأفتوا بأنه مسجد ضرار، فضرب من قدر عليه منهم الضرب المبرح، ونودي عليهم. وأمر بهدم ذلك المسجد المذكور فهدم، هدمه نازوك، وأمر الوزير الخاقانيّ فجعل مكانه مقبرة فدفن فيها جماعة من الموالي. وخرج الناس للحج في ذي القعدة فاعترضهم أبو طاهر سليمان بن أبى سعيد الجنابي القرمطى، فرجع أكثر الناس إلى بلدانهم، ويقال إن بعضهم سأل منه الأمان ليذهبوا فأمنهم. وقد قاتله جند الخليفة فلم يفد ذلك شيئا لتمرده وشدة بأسه، فانزعج أهل بغداد من ذلك، وترحل أهل الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي خوفا منهم، ودخل القرمطى إلى الكوفة فأقام بها شهرا يأخذ من أموالها ونسائها ما يختار. قال ابن الجوزي: وكثر الرطب في هذه السنة ببغداد حتى بيع كل ثمانية أرطال بحبة، وعمل