للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودفن بالجعفرية وله من العمر أربعون سنة، وكانت مدة خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام. وكان أسمر حسن العينين نحيف الجسم خفيف العارضين أقرب إلى القصر والله سبحانه اعلم.

[خلافة محمد المنتصر بن المتوكل]

قد تقدم أنه تمالأ هو وجماعة من الأمراء على قتل أبيه، وحين قتل بويع له بالخلافة في الليل، فلما كان الصباح من يوم الأربعاء رابع شوال أخذت له البيعة من العامة وبعث إلى أخيه المعتز فأحضره إليه فبايعه المعتز، وقد كان المعتز هو ولى العهد من بعد أبيه، ولكنه أكرهه وخاف فسلم وبايع. فلما أخذت البيعة له كان أول ما تكلم به أنه اتهم الفتح بن خاقان على قتل أبيه، وقتل الفتح أيضا، ثم بعث البيعة له إلى الآفاق. وفي ثانى يوم من خلافته ولى المظالم لأبى عمرة أحمد ابن سعيد مولى بنى هاشم فقال الشاعر:

يا ضيعة الإسلام لما ولى … مظالم الناس أبو عمره

صيّر مأمونا على أمة … وليس مأمونا على بعرة

وكانت البيعة له بالمتوكلية، وهي الماحوزة، فأقام بها عشرة أيام ثم تحول هو وجميع قوّاده وحشمه منها إلى سامرا. وفيها في ذي الحجة أخرج المنتصر عمه على بن المعتصم من سامرا إلى بغداد ووكل به. وحج بالناس محمد بن سليمان الزينبي.

[وفيها توفى من الأعيان]

إبراهيم بن سعيد الجوهري.

وسفيان بن وكيع بن الجراح، وسلمة بن شبيب.

وأبو عثمان المازني النحويّ

واسمه بكر بن محمد بن عثمان البصري شيخ النحاة في زمانه، أخذه عن أبى عبيدة والأصمعي وأبى زيد الأنصاري وغيرهم، وأخذ عنه أبو العباس المبرد وأكثر عنه، وللمازنى مصنفات كثيرة في هذا الشأن. وكان شبيها بالفقهاء ورعا زاهدا ثقة مأمونا. روى عنه المبرد أن رجلا من أهل الذمة طلب منه أن يقرأ عليه كتاب سيبويه ويعطيه مائة دينار فامتنع من ذلك. فلامه بعض الناس في ذلك فقال: إنما تركت أخذ الأجرة عليه لما فيه من آيات الله تعالى. فاتفق بعد هذا أن جارية غنت بحضرة الواثق:

أظلوم إن مصابكم رجلا … رد السلام تحية ظلم

فاختلف من بحضرة الواثق في إعراب هذا البيت، وهل يكون رجلا مرفوعا أو منصوبا، وبم نصب؟ أهو اسم أو ماذا؟ وأصرت الجارية على أن المازني حفظها هذا هكذا. قال فأرسل الخليفة إليه، فلما مثل بين يديه قال له: أنت المازني؟ قال: نعم. قال من مازن تميم أم من مازن ربيعة أم مازن قيس؟ فقلت من مازن ربيعة. فأخذ يكلمني بلغني، فقال: باسمك؟ وهم يقلبون الباء ميما والميم باء، فكرهت أن أقول مكر فقلت: بكر، فأعجبه إعراضي عن المكر إلى البكر، وعرف ما أردت.

<<  <  ج: ص:  >  >>