وكان هجاء له قدرة على ذلك، وصنف كتابا سماه مقراض الأعراض، مشتمل على نحو من خمسمائة بيت، قل من سلم من الدماشقة من شره، ولا الملك صلاح الدين ولا أخوه العادل، وقد كان يزنّ بترك الصلاة المكتوبة فالله أعلم. وقد نفاه الملك الناصر صلاح الدين إلى الهند فامتدح ملوكها وحصل أموالا جزيلة، وصار إلى اليمن فيقال إنه وزر لبعض ملوكها، ثم عاد في أيام العادل إلى دمشق ولما ملك المعظم استوزره فأساء السيرة واستقال هو من تلقاء نفسه فعزله، وكان قد كتب إلى الدماشقة من بلاد الهند:
فعلام أبعدتم أخا ثقة … لم يقترف ذنبا ولا سرقا
أنفوا المؤذن من بلادكم … إن كان ينفى كل من صدقا
ومما هجا به الملك الناصر صلاح الدين رحمه الله تعالى:
سلطاننا أعرج وكاتبه … ذو عمش ووزيره أحدب
والدولعى الخطيب معتكف … وهو على قشر بيضة يثب
ولابن باقا وعظ يغش به الناس … وعبد اللطيف محتسب
وصاحب الأمر خلقه شرس … وعارض الجيش داؤه عجب
وقال في السلطان الملك العادل سيف الدين رحمه الله تعالى وعفا عنه.
إن سلطاننا الّذي نرتجيه … واسع المال ضيق الإنفاق
هو سيف كما يقال ولكن … قاطع للرسوم والأرزاق
وقد حضر مرة مجلس الفخر الرازيّ بخراسان وهو على المنبر يعظ الناس، فجاءت حمامة خلفها جارح فألقت نفسها على الفخر الرازيّ كالمستجيرة به، فأنشأ ابن عنين يقول:
جاءت سليمان الزمان حمامة … والموت يلمع من جناحي خاطف
قرم لواه الجوع حتى ظله … بإزائه بقلب واجف
من أعلم الورقاء أن محلكم … حرم وأنك ملجأ للخائف
[الشيخ شهاب الدين السهروردي]
صاحب عوارف المعارف، عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن حمويه، واسمه عبد الله البكري البغدادي، شهاب الدين أبو حفص السهروردي، شيخ الصوفية ببغداد، كان من كبار الصالحين وسادات المسلمين، وتردد في الرسلية بين الخلفاء والملوك مرارا، وحصلت له أموال جزيلة ففرقها بين الفقراء والمحتاجين، وقد حج مرة وفي صحبته خلق من الفقراء لا يعلمهم إلا الله ﷿، وكانت فيه مروءة وإغاثة للملهوفين، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وكان يعظ الناس