وأنتم ملوك، وخرج وتركهم. وهذا من أعجب الأشياء، وذلك أن هؤلاء الإخوة الثلاثة كانوا عند ملك يقال له «ماكان بن كاني» في بلاد طبرستان، فتسلط عليه مرداويح فضعف ما كان، فتشاوروا في مفارقته حتى يكون من أمره ما يكون، فخرجوا عنه ومعهم جماعة من الأمراء، فصاروا إلى مرادويح فأكرمهم واستعملهم على الأعمال في البلدان، فأعطى عماد الدولة على بويه نيابة الكرخ، فأحسن فيها السيرة والتف عليه الناس وأحبوه، فحسده مرداويح وبعث إليه بعزله عنها، ويستدعيه إليه فامتنع من القدوم عليه، وصار إلى أصبهان فحاربه نائبها فهزمه عماد الدولة هزيمة منكرة، واستولى على أصبهان. وإنما كان معه سبعمائة فارس، فقهر بها عشرة آلاف فارس، وعظم في أعين الناس.
فلما بلغ ذلك مرداويح قلق منه، فأرسل إليه جيشا فأخرجوه من أصبهان، فقصد أذربيجان فأخذها من نائبها وحصل له من الأموال شيء كثير جدا، ثم أخذ بلدانا كثيرة، واشتهر أمره وبعد صيته وحسنت سيرته. فقصده الناس محبة وتعظيما، فاجتمع إليه من الجند خلق كثير وجم غفير، فلم يزل يترقى في مراقى الدنيا حتى آل به وبأخويه الحال إلى أن ملكوا بغداد من أيدي الخلفاء العباسيين، وصار لهم فيها القطع والوصل، والولاية والعزل، وإليهم تجبى الأموال، ويرجع إليهم في سائر الأمور والأحوال، على ما سنذكر ذلك مبسوطا والله المستعان:
[وفيها توفى من الأعيان]
[أحمد بن محمد بن سلامة]
ابن سلمة بن عبد الملك أبو جعفر الطحاوي، نسبة إلى قرية بصعيد مصر، الفقيه الحنفي صاحب المصنفات المفيدة، والفوائد الغزيرة: وهو أحد الثقات الأثبات، والحفاظ الجهابذة، وطحا بلدة بدريا مصر. وهو ابن أخت المزني. توفى في مستهل ذي القعدة منها عن ثنتين وثمانين سنة وذكر أبو سعيد السمعاني أنه ولد في سنة تسع وعشرين ومائتين، فعلى هذا يكون قد جاوز التسعين والله أعلم. وذكر ابن خلكان في الوفيات أن سبب انتقاله إلى مذهب أبى حنيفة ورجوعه عن مذهب خاله المزني، أن خاله قال له يوما: والله لا يجيء منك شيء. فغضب وتركه واشتغل على أبى جعفر بن أبى عمران الحنفي، حتى يرع وفاق أهل زمانه، وصنف كتبا كثيرة. منها أحكام القرآن، واختلاف العلماء. ومعاني الآثار، والتاريخ الكبير. وله في الشروط كتاب، وكان بارعا فيها. وقد كتب للقاضي أبى عبد الله محمد بن عبد الله وعدله القاضي أبو عبيد بن حربويه، وكان يقول: رحم الله المزني، لو كان حيا لكفر عن يمينه. توفى في مستهل ذي القعدة كما تقدم. ودفن بالقرافة وقبره مشهور بها ﵀. وقد ترجمه ابن عساكر وذكر أنه قد قدم دمشق سنة ثمان وستين ومائتين، وأخذ الفقه عن قاضيها أبى حازم.
[أحمد بن محمد بن موسى بن النضر]
ابن حكيم بن على بن زربى أبو بكر المعروف بابن أبى حامد صاحب بيت المال. سمع عباسا الدوري