قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه أن عبد الرحمن بن ابى بكر الصديق ﵄ قدم الشام في تجارة - يعنى في زمان جاهليته - فرأى امرأة يقال لها ليلى ابنة الجودي على طنفسة لها وحولها ولائدها فأعجبته، قال ابن عساكر: رآها بأرض بصرى فقال فيها:
تذكرت ليلى والسماوة دونها … فمال ابنة الجودي ليلى وما ليا
وانى تعاطى قلبه حارثية … تؤمن بصرى أو تحل الحوابيا
وإني بلاقيها بلى ولعلها … إن الناس حجوا قابلا أن توافيا
قال: فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام قال للأمير على الجيش: إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوة فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبى بكر، فظفر بها فدفعها إليه فأعجب بها وآثرها على نسائه حتى جعلن يشكونها إلى عائشة، فعاتبته عائشة على ذلك، فقال: والله كأنى أرشف بأنيابها حب الرمان، فأصابها وجع سقط له فوها فجفاها حتى شكته إلى عائشة، فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضتها فأفرطت، فاما أن تنصفها وإما أن تجهزها إلى أهلها. قال الزبيري: وحدثني عبد الله بن نافع عن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه.
قال: إن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبى بكر ليلى بنت الجودي حين فتح دمشق، وكانت ابنة ملك دمشق - يعنى ابنة ملك العرب الذين حول دمشق - والله أعلم.
[عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب]
القرشي الهاشمي ابن عم النبي ﷺ، وكان أصغر من أخيه عبد الله بسنة، وأمها أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، وكان عبيد الله كريما جميلا وسيما يشبه أباه في الجمال،
روينا أن رسول الله ﷺ:«كان يصفّ عبد الله وعبيد الله وكثيرا صفا ويقول: من سبق إليّ فله كذا، فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم». وقد استنابه على بن أبى طالب في أيام خلافته على اليمن. وحج بالناس سنة ست وثلاثين وسنة سبع وثلاثين، فلما كان سنة ثمان وثلاثين اختلف هو ويزيد بن سمرة الرهاوي الّذي قدم على الحج من جهة معاوية، ثم اصطلحا على شيبة بن عثمان الحجبي، فأقام للناس الحج عامئذ، ثم لما صارت الشكوة لمعاوية تسلط على عبيد الله بسر بن أبى أرطاة فقتل له ولدين، وجرت أمور باليمن قد ذكرنا بعضها. وكان يقدم هو وأخوه عبد الله المدينة فيوسعهم عبد الله علما، ويوسعهم عبيد الله كرما. وقد روى أنه نزل في مسير له مع مولى له على خيمة رجل من الأعراب، فلما رآه الأعرابي أعظمه وأجله، ورأى حسنه وشكله، فقال لامرأته:
ويحك ماذا عندك لضيفنا هذا؟ فقالت: ليس عندنا إلا هذه الشويهة التي حياة ابنتك من لبنها،