أبو القاسم وأبو عبد الله أيضا، وهو المعروف بابن الحنفية، وكانت سوداء سندية من بنى حنيفة اسمها خولة. ولد محمد في خلافة عمر بن الخطاب، ووفد على معاوية وعلى عبد الملك بن مروان وقد صرع مروان يوم الجمل وقعد على صدره وأراد قتله فناشده مروان بالله وتذلل له فأطلقه، فلما وفد على عبد الملك ذكره بذلك فقال عفوا يا أمير المؤمنين فعفا عنه وأجزل له الجائزة، وكان محمد ابن على من سادات قريش، ومن الشجعان المشهورين، ومن الأقوياء المذكورين، ولما بويع لابن الزبير لم يبايعه، فجرى بينهما شر عظيم حتى هم ابن الزبير به وبأهله كما تقدم ذلك، فلما قتل ابن الزبير واستقر أمر عبد الملك وبايعه ابن عمر تابعه ابن الحنفية، وقدم المدينة فمات بها في هذه السنة وقيل في التي قبلها أو في التي بعدها، ودفن بالبقيع. والرافضة يزعمون أنه بجبل رضوى، وأنه حي يرزق، وهم ينتظرونه، وقد قال كثير عزة في ذلك
ألا إن الأئمة من قريش … ولاة الحق أربعة سواء
على والثلاثة من بنيه … هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر … وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا تراه العين حتى … تعود الخيل يقدمها لواء
ولما هم ابن الزبير بابن الحنفية كتب ابن الحنفية إلى شيعتهم بالكوفة مع أبى الطفيل واثلة بن الأسقع وعلى الكوفة المختار بن عبيد الله، وقد كان ابن الزبير جمع لهم حطبا كثيرا على أبوابهم ليحرقهم بالنار، فلما وصل كتاب ابن الحنفية إلى المختار، وقد كان المختار يدعو إليه ويسميه المهدي، فبعث المختار أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف فاستنقذوا بنى هاشم من يدي ابن الزبير. وخرج معهم ابن عباس فمات بالطائف وبقي ابن الحنفية في شيعته، فأمره ابن الزبير أن يخرج عنه فخرج إلى أرض الشام بأصحابه وكانوا نحو سبعة آلاف، فلما وصل إلى أيلة كتب إليه عبد الملك: إما أن تبايعنى وإما أن تخرج من أرضى، فكتب إليه ابن الحنفية: أبايعك على أن تؤمّن أصحابى، قال نعم فقام ابن الحنفية في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه فقال: الحمد لله الّذي حقن دماءكم وأحرز دينكم فمن أحب منكم أن يأتى مأمنه إلى بلده محفوظا فليفعل، فرحل عنه الناس إلى بلادهم حتى بقي في سبعمائة رجل، فأحرم بعمرة وقلد هديا وسار نحو مكة، فلما أراد دخول الحرم بعث إليه ابن الزبير خيلا فمنعه أن يدخل، فأرسل إليه: إنا لم نأت لحرب ولا لقتال، دعنا ندخل حتى نقضي نسكنا ثم نخرج عنك، فأبى عليه وكان معه بدن قد قلدها فرجع إلى المدينة فأقام بها محرما حتى قدم الحجاج وقتل ابن الزبير. فكان ابن الحنفية في تلك المدة محرما، فلما سار الحجاج إلى العراق مضى ابن الحنفية إلى مكة وقضى نسكه