للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يفيده ذلك شيئا، حتى جاء كتاب السفاح أن اقتله لا محالة [لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم كيف يعطى الأمان وينكث؟ هذا فعل الجبابرة (١)] وأقسم عليه في ذلك. فأرسل إليه أبو جعفر طائفة من الخراسانية فدخلوا عليه وعنده ابنه داود وفي حجره صبي صغير، وحوله مواليه وحاجبه، فدافع عنه ابنه حتى قتل وقتل خلق من مواليه، وخلصوا إليه، فألقى الصبى من حجره وخر ساجدا فقتل وهو ساجد، واضطرب الناس، فنادى أبو جعفر في الناس بالأمان إلا عبد الملك بن بشر وخالد ابن سلمة المخزومي وعمر بن ذر. فسكن الناس ثم استؤمن لبعض هؤلاء وقتل بعضا.

وفي هذه السنة بعث أبو مسلم الخراساني محمد بن الأشعث إلى فارس وأمره أن يأخذ عمال أبى سلمة الخلال فيضرب أعناقهم، ففعل ذلك. وفيها ولى السفاح أخاه يحيى بن محمد الموصل وأعمالها، وولى عمه داود مكة والمدينة واليمن واليمامة، وعزله عن الكوفة وولى مكانه عليها عيسى بن موسى، وولى قضاءها ابن أبى ليلى، وكان على نيابة البصرة سفيان بن معاوية المهلبي، وعلى قضائها الحجاج ابن أرطاة، وعلى السند منصور بن جمهور، وعلى فارس محمد بن الأشعث. وعلى أرمينية وأذربيجان والجزيرة أبو جعفر المنصور، وعلى الشام وأعمالها عبد الله بن على عم السفاح، وعلى مصر أبو عون عبد الملك بن يزيد. وعلى خراسان وأعمالها أبو مسلم الخراساني، وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك. وحج بالناس فيها داود بن على.

[ذكر من توفى فيها من الأعيان]

مروان بن محمد بن مروان بن الحكم أبو عبد الملك الأموي، آخر خلفاء بنى أمية، فقتل في العشر الأخير من ذي الحجة من هذه السنة كما تقدم ذلك مبسوطا، ووزيره عبد الحميد بن يحيى بن سعد مولى بنى عامر بن لؤيّ، الكاتب البليغ الّذي يضرب به المثل، فيقال فتحت الرسائل بعبد الحميد، وختمت بابن العميد. وكان إماما في الكتابة وجميع فنونها، وهو القدوة فيها. وله رسائل في ألف ورقة، وأصله من قيسارية ثم سكن الشام، وتعلم هذا الشأن من سالم مولى هشام بن عبد الملك وكان يعقوب بن داود وزير المهدي يكتب بين يديه، وعليه تخريج، وكان ابنه إسماعيل بن عبد الحميد ماهرا في الكتابة أيضا، وقد كان أولا يعلم الصبيان ثم تقلبت به الأحوال أن صار وزيرا لمروان، وقتله السفاح ومثل به، وكان اللائق بمثله العفو عنه. ومن مستجاد كلامه: العلم شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة. ومن كلامه وقد رأى رجلا (٢) يكتب خطا رديئا فقال: أطل جلفة قلمك وأسمنها، وحرّف قطتك وأيمنها. قال الرجل: ففعلت ذلك فجاد خطى. وسأله رجل أن يكتب له كتابا إلى بعض الأكابر يوصيه به، فكتب إليه: حقّ موصل كتابي إليك كحقّه عليّ


(١) زيادة من نسخة استامبول.
(٢) هو إبراهيم بن جبلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>