بذلك حلف له الأمراء بالشام، وقبض على حسام الدين طرقطاى نائب أبيه وأخذ منه أموالا جزيلة أنفق منها على العساكر.
وفيها ولى خطابة دمشق زين الدين عمر بن مكي بن المرحل عوضا عن جمال الدين بن عبد الكافي وكان ذلك بمساعدة الأعسر، وتولى نظر الجامع الرئيس وجيه الدين بن المنجي الحنبلي، عوضا عن ناصر الدين بن المقدسي، وثمر وقفه وعمره وزاد مائة وخمسين ألفا. وفيها احترقت دار صاحب حماة، وذلك أنه وقع فيها نار في غيبته فلم يتجاسر أحد يدخلها، فعملت النار فيها يومين فاحترقت واحترق كل ما فيها.
وفي شوال درس بتربة أم الصالح بعد ابن المقدسي القاضي إمام الدين القونوي، وفيها باشر الشرف حسين بن أحمد بن الشيخ أبى عمر قضاء الحنابلة عوضا عن ابن عمه نجم الدين بن شيخ الجبل، عن مرسوم الملك المنصور قبل وفاته. وحج بالناس في هذه السنة من الشام الأمير بدر الدين بكتوت الدوباسى، وحج قاضى القضاة شهاب الدين بن الخوى، وشمس الدين بن السلعوس ومقدم الركب الأمير عتبة، فتوهم منه أبو نمى، وكان بينهما عداوة، فأغلق أبواب مكة ومنع الناس من دخولها فأحرق الباب وقتل جماعة ونهب بعض الأماكن، وجرت خطوب فظيعة، ثم أرسلوا القاضي ابن الخوى ليصلح بين الفريقين، ولما استقر عند أبى نمى رحل الركوب وبقي هو في الحرم وحده وأرسل معه أبو نمى من ألحقه بهم سالما معظما. وجاء الخبر بموت المنصور إلى الناس وهم بعرفات وهذا شيء عجيب. وجاء كتاب يستحث الوزير ابن السلعوس في المسير إلى الديار المصرية، وبين الأسطر بخط الملك الأشرف: يا شقير يا وجه الخير احضر لتستلم الوزارة. فساق إلى القاهرة فوصلها يوم الثلاثاء عاشر المحرم، فتسلم الوزارة كما قال السلطان.
[وممن توفى فيها من الأعيان.]
[السلطان الملك المنصور قلاوون]
ابن عبد الله التركي الصالحي الألفي، اشتراه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب، بألفي دينار، وكان من أكابر الأمراء عنده وبعده، ولما تزوج الملك السعيد بن الظاهر بابنته غازية خاتون، عظم شأنه جدا عند الظاهر، وما زال يترفع في الدولة حتى صار أتابك سلامش بن الظاهر، ثم رفعه من البين واستقل بالملك في سنة أربع وثمانين، وفتح طرابلس سنة ثمان وثمانين، وعزم على فتح عكا وبرز إليها فعاجلته المنية في السادس والعشرين من ذي القعدة، ودفن بتربته بمدرسته الهائلة التي أنشأها بين القصرين، التي ليس بديار مصر ولا بالشام مثلها. وفيها دار حديث ومارستان. وعليها أوقاف دارة كثيرة عظيمة، مات عن قريب من ستين سنة، وكانت مدة ملكه اثنتي عشرة سنة، وكان حسن الصورة مهيبا، عليه أبهة السلطنة