الوادي ولا يصدر إلا عن رأى شرحبيل، فرجع رسول الله ﷺ فلم يلاعنهم حتى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب، بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب محمد النبي الأمي رسول الله لنجران أن كان عليهم حكمه في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء ورقيق فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة، في كل رجب ألف حلة، وفي كل صفر ألف حلة، وذكر تمام الشروط. إلى أن شهد أبو سفيان بن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف من بنى نصر والأقرع بن حابس الحنظليّ والمغيرة، وكتب حتى إذا قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له بشر بن معاوية وكنيته أبو علقمة، فدفع الوفد كتاب رسول الله ﷺ إلى الأسقف، فبينما هو يقرأه وأبو علقمة معه وهما يسيران إذ كبت ببشر ناقته فتعّس بشر غير أنه لا يكنى عن رسول الله ﷺ، فقال له الأسقف عند ذلك قد والله تعست نبيا مرسلا فقال له بشر لا جرم والله لا أحل عنها عقدا حتى آتى رسول الله ﷺ، فصرف وجه ناقته نحو المدينة وثنى الأسقف ناقته عليه، فقال له: افهم عنى إنما قلت هذا ليبلغ عنى العرب مخافة أن يروا أنا أخذنا حقه أو رضينا بصوته أو نجعنا لهذا الرجل بما لم تنجع به العرب ونحن أعزهم وأجمعهم دارا فقال له بشر لا والله لا أقبل ما خرج من رأسك أبدا، فضرب بشر ناقته وهو مولى الأسقف ظهره وارتجز يقول:
إليك تغدو قلقا وضينها … معترضا في بطنها جنيهنا
مخالفا دين النصارى دينها
حتى أتى رسول الله ﷺ فأسلم ولم يزل معه حتى قتل بعد ذلك. قال ودخل الوفد نجران فأتى الراهب بن أبى شمر الزبيدي وهو في رأس صومعته فقال له: إن نبيا بعث بتهامة فذكر ما كان من وفد نجران الى رسول الله ﷺ وأنه عرض عليهم الملاعنة فأبوا وإن بشر بن معاوية دفع اليه فأسلم فقال الراهب أنزلونى وإلا ألقيت نفسي من هذه الصومعة قال فأنزلوه فأخذ معه هدية وذهب الى رسول الله ﷺ منها هذا البرد الّذي يلبسه الخلفاء وقعب وعصا. فأقام مدة عند رسول الله ﷺ يسمع الوحي ثم رجع الى قومه ولم يقدر له الإسلام ووعد أنه سيعود فلم يقدر له حتى توفى رسول الله ﷺ وأن الأسقف أبا الحارث أتى رسول الله ﷺ ومعه السيد والعاقب ووجوه قومه فأقاموا عنده يسمعون ما ينزل الله عليه
وكتب للاسقف هذا الكتاب ولاساقفة نجران بعده بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للاسقف أبى الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير جوار الله ورسوله لا يغير أسقف من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك، جوار الله ورسوله أبدا ما أصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين وكتب المغيرة بن شعبة.