للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: لا. قال: "تعززًا ألا يدخلها إلا من أرادوا. فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها، يدعونه (حتَّى) (١) يرتقي، حتَّى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط". قال عبد الملك: فقلت للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم. قال: فنكت ساعةً بعصاه، ثم قال: وددت أنى تركته وما تحمَّل.

قال مسلم (٢): وحدثناه محمد بن عمرو بن جبلة، حَدَّثَنَا أبو عاصم (ح)، وحدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، كلاهما عن ابن جريج بهذا الإسناد، مثل حديث (ابن بكر) (٣).

قال (٤): وحدثني محمد بن حاتم، حَدَّثَنَا عبد الله بن بكر السهمي، حَدَّثَنَا حاتم بن أبي صغيرة، عن أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول: سمعتها تقول: قال رسول الله : "يا عائشة، لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتَّى أزيد (فيه) (٥) من الحجر، فإن قومك قصروا في البناء". فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير.

فهذا الحديث كالمقطوع به إلى عائشة أم المؤمنين؛ لأنَّهُ قد روي عنها من طرق صحيحة متعددة عن الأسود بن يزيد، والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير (٦). فدل هذا على صواب ما فعله ابن الزبير. فلو ترك لكان جيدًا.

ولكن بعدما رجع الأمر إلى هذا الحال، فقد كره بعض العلماء أن يغير عن حاله، كما ذكر عن أمير المؤمنين هارون الرشيد - (أو أبيه) (٧) المهدي -: أنه سأل الإمام مالكًا عن هدم الكعبة وردها إلى ما فعله ابن الزبير. فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا تجعل كعبة الله مَلْعَبَةً للملوك، لا يشاء (أحد) (٨) أن يهدمها إلا هدمها. فترك (٩) ذلك الرشيد.


(١) في (ض) و (ى): "حين"، وكلا اللفظين ليسا في رواية "الصحيح".
(٢) (١٣٣٣/ ٤٠٣).
(٣) في (ك): "أبي بكر" وهو خطأ. و "ابن بكر" هو محمد.
(٤) يعني: مسلمًا. وهو فيه (١٣٣٣/ ٤٠٤).
(٥) في (ز) و (ن): "فيها".
(٦) وقد رواه عن عائشة آخرون منهم مرجانة، وهي أم علقمة.
فأخرجه أبو داود (٢٠٢٨)؛ والنسائي (٥/ ٢١٩)؛ والترمذي (٨٧٦)؛ وأحمد (٦/ ٩٢، ٩٣)؛ وأبو يعلى (ج ٨/ رقم ٤٦١٥) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مرجانة، عن عائشة مرفوعًا نحوه. قال الترمذي: "حسن صحيح" وقد توبع الدراوردي، تابعه عبد الرحمن بن أبي الزناد، فرواه عن علقمة بسنده سواء. أخرجه ابن خزيمة (٣٠١٨). ولكن رواه ابن خزيمة (٣٠١٩) من طريق ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن عائشة مرفوعًا. ولعل هذا من سوء حفظ ابن أبي الزناد. والوجه الأول أقوى. وقد أشرت إلى بعض طرقه فيما مضى والحمد للّه.
(٧) كذا في (ز) و (ن) و (ك). ووقع في (ج) و (ض) و (ى): "أو أبوه" وأشار ناسخ (ى) إلى أنه وقع في نسخة "أو أبيه" وسقط هذا اللفظ من (ل).
(٨) في (ك): "الله"!!
(٩) ولعل مالكًا استأنس في ذلك بقول ابن عباس لما استشار ابن الزبير الناس في هدم الكعبة، قال ابن عباس: "أرى أن تصلح ما وهي منها، وتدع بيتًا أسلم الناس عليه، وأحجارًا أسلم الناس عليها، وبعث عليها النبي ". اهـ. =