للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي علم الفراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه؛ فإذا كان (المتنبل) (١) حاذقًا في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره.

قال: النوع الثامن من السحر: السعي بالنميمة (والتضريب) (٢) من وجوه (خفية) (٣) لطيفة؛ وذلك شائع في الناس.

قلت: النميمة على قسمين: تارة تكون على وجه التحريش (بين الناس) (٤)، وتفريق قلوب المؤمنين؛ فهذا حرام متفق عليه، فأما (إن) (٥) كانت على وجه الإصلاح (بين الناس) (٤) وائتلاف كلمة المسلمين كما جاء في الحديث (٦): "ليس بالكذاب من ينم خيرًا". أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة؛ فهذا أمر مطلوب، كما جاء في الحديث (٧): "الحرب خدعة"، وكما فعل نعيم (٨) بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة: جاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك؛ فتناكرت النفوس وافترقت، وإنما يحذو على مثل هذا: الذكاء والبصيرة النافذة. والله المستعان.

ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر، وشرح أنواعه وأصنافه.

قلت: وإنما أدخل كثيرًا من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها؛ لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه؛ ولهذا جاء في الحديث (٩):

"إن من البيان (سحرًا) " (١٠). وسمى السحور، لكونه يقع خفيًا آخر الليل.

والسحر: الرئة وهي محل الغذاء، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه؛ كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحره؛ أي: انتفخت رئته من الخوف. وقالت عائشة (١١) : "توفي رسول الله بين سحري ونحري"، وقال تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ [الأعراف: ١١٦] أي: أخفوا عنهم عملهم. والله (١٢) أعلم.


(١) في (ن): "النبيل".
(٢) في (ز) و (ن): "التقريب" والتضريب هو: الإغراء والإفساد.
(٣) كذا في (ج) و (ض) و (ع) و (ل) و (ن) و (ى)؛ وفي (ز) و (ك): "خفيفة" وأشار إليها ناسخ (ن) في الحاشية.
(٤) ساقط من (ز) و (ض).
(٥) في (ز) و (ض): "إذا".
(٦) هذا حديث صحيح.
أخرجه البخاري (٥/ ٢٩٩)؛ ومسلم (٢٦٠٥/ ١٠١).
(٧) وهو حديث صحيح.
أخرجه البخاري (٦/ ١٥٨)؛ ومسلم (١٢/ ٤٤، ٤٥).
(٨) أخرجه ابن جرير في "التهذيب" (٢٢٥ - مسند علي) قال:
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب. وهذا سند رجاله ثقات، لكنه معضل.
وأخرجه البيهقي في "الدلائل" (٣/ ٤٤٥ - ٤٤٧) من طريق أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس وهو ابن بكير، عن ابن إسحاق، فساقه معضلًا أيضًا.
(٩) أخرجه البخاري (١٠/ ٢٣٧).
(١٠) في (ز) و (ن): "لسحرا".
(١١) أخرجه البخاري (٣/ ٢٥٥)؛ ومسلم (٢٤٤٣/ ٨٤).
(١٢) من (ل).