للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرموا (١) إلى الحيتان - عمد رجل منهم فأخط حوتًا سرًا يوم السبت (فخزمه) (٢) (بخيط) (٣) ثم أرسله في الماء، وأوتد له وتدًا في الساحل فأوثقه؛ ثم تركه حتى إذا كان الغد جاء فأخذه؛ أي: إني لم آخذه في يوم السبت، فانطلق به فأكله، حتى إذا كان يوم السبت الآخر عاد لمثل ذلك.

ووجد الناس ريح الحيتان، فقال أهل القرية: والله! لقد وجدنا ريح الحيتان؛ ثم عثروا على (صنع) (٤) ذلك الرجل.

قال: ففعلوا كما فعل، (وأكلوا) (٥) سرًا زمانًا طويلًا لم يعجل الله عليهم (بعقوبة) (٦)، حتى صادوها علانيةً، وباعوها (بالأسواق) (٧)؛ فقالت طائفة منهم من أهل البقية: ويحكم، اتقوا الله؛ ونهوهم عما (كانوا) (٨) يصنعون؛ فقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ولم تنه القوم عما صنعوا ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] (لسخطنا) (٩) أعمالهم ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤].

قال ابن عباس: فبينما هم على ذلك أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم؛ (فقدوا) (١٠) الناس فلم يروهم؛ قال: فقال بعضهم لبعض: إن للناس (لشأنًا) (١١)، فانظروا ما هو؟ فذهبوا ينظرون في دورهم، فوجدوها مغلقةً عليهم، قد دخلوها ليلًا فغلقوها على أنفسهم، كما يغلق الناس على أنفسهم؛ فأصبحوا فيها قردةً؛ وإنهم ليعرفون الرجل بعينه، وإنه لقرد، والمرأة بعينها وإنها لقردة، والصبي بعينه وإنه لقرد.

قال: (يقول) (١٢) ابن عباس: فلولا ما ذكر الله أنه (أنجى) (١٣) الذين نهوا عن السوء لقد أهلك الله الجميع منهم.

قال: وهي القرية التي قال جل ثناؤه لمحمد : ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ … ﴾ [الأعراف: ١٦٣].

وروى الضحاك (١٤)، عن ابن عباس نحوًا من هذا.

وقال السدي (١٥) في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥)﴾ قال: هم أهل أيلة؛ وهي القرية التي كانت حاضرة البحر؛ فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت، وقد حرم الله على اليهود أن يعملوا في السبت شيئًا، لم يبق في البحر حوت إلا خرج، حتى يخرجن خراطيمهن من الماء؛ فإذا كان يوم الأحد لزمن (مقل) (١٦) البحر، فلم ير


(١) القرم: اشتداد الشهوة إلى أكل اللحم.
(٢) في (ض) و (ع) و (ل) و (ن): "فحزمه" بالحاء المهملة والزاي.
(٣) ساقط من (ك).
(٤) في (ن): "صنيع".
(٥) في (ز) و (ن): "وصنعوا".
(٦) في (ز) و (ن): "العقوبة".
(٧) في (ل): "في الأسواق".
(٨) من (ن).
(٩) في (ن): "بسخطنا".
(١٠) في (ز): "وفقدوا".
(١١) في (ن): "شأنًا".
(١٢) في (ن): "قال".
(١٣) في (ن): "نجى".
(١٤) أخرجه ابن جرير (١١٣٨) بسند ضعيف.
(١٥) أخرجه ابن جرير (١١٤٢) وسنده حسن.
(١٦) كذا في سائر "الأصول". ومقل البحر: مغاصه كما في "النهاية" (٤/ ٣٤٧). وانظر أيضًا "لسان العرب"=