للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن زيد: العصف: ورق الزرع، وورق البقل، إذا أكلته البهائم فراثته، فصار دَرينا (١).

والمعنى: أن الله ، أهلكهم ودمرهم، وردهم بكيدهم وغيظهم لم ينالوا خيرًا، وأهلك عامتهم، ولم يرجع منهم بخبر إلا وهو جريح، كما جرى لملكهم أبرهة، فإنه انصاع صَدْرُه عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء، وأخبرهم بما جرى لهم، ثم مات. فملك بعده ابنه يكسُوم، ثم من بعده أخوه مسروق بن أبرهة (٢). ثم خرج سيف بن ذي يَزَن الحميري إلى كسرى فاستعانه على الحبشة، فأنفذ معه من جيوشه فقاتلوا معه، فردَّ الله إليهم ملكهم، وما كان في آبائهم من الملك، وجاءته وفود العرب للتهنئة.

وقد قال محمد بن إسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عائشة قالت: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مُقعَدَين، يستطعمان (٣). ورواه الواقدي، عن عائشة مثله. ورواه أيضًا عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: كانا مقعدين يستطعمان الناس، عند إساف ونائلة، حيث يذبح المشركون ذبائحهم.

قلت: كان اسم قائد الفيل: أنيسًا.

وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في كتاب "دلائل النبوة" من طريق ابن وهب، عن ابن لَهِيعة، عن عقيل بن خالد، عن عثمان بن المغيرة قصة أصحاب الفيل، ولم يذكر أن أبرهة قدم من اليمن، وإنما بعث على الجيش رجلًا يقال له: شمر بن مفصود، وكان الجيش عشرين ألفًا، وذكر أن الطير طرقتهم ليلًا، فأصبحوا صرعى (٤).

وهذا السياق غريب جدًّا، وإن كان أبو نُعيْم قد قواه ورَجحه على غيره. والصحيح أن أبرهة الأشرم الحبشي قدم مكة كما دلَّ على ذلك السياقات والأشعار. وهكذا روى ابن لَهِيعة، عن الأسود، عن عُرْوَة: أن أبرهة بعث الأسود بن مفصود على كتيبة معهم الفيل، ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه، والصحيح قدومه، ولعل ابن مفصود كان على مقدمة الجيش، والله أعلم.

ثم ذكر ابن إسحاق شيئًا من أشعار العرب، فيما كان من قصة أصحاب الفيل، فمن ذلك شعر عبد الله بن الزبعري:

تَنَكَّلُوا عن بطن مَكَّةَ إنها … كانتْ قديمًا لا يُرَام حَريمها

لم تُخلَق الشِّعرَى ليالي حُرّمتْ … إذ لا عزيزَ من الأنام يَرُومها

سائل أميرَ الجيش عنها ما رَأى؟ … فلسوفَ يُنبي الجاهلين عليمها

ستونَ ألفًا لم يَؤُوبوا أرضَهم … بل لم يعش بعد الإياب سقيمها


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٢) ينظر: السيرة النبوية لابن هشام ١/ ٦١.
(٣) أخرجه ابن إسحاق بسنده ومتنه وفي آخره: يستطعمان الناس. (المصدر السابق ١/ ٥٧) وسنده صحيح، وعبد الله بن أبي بكر هو ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري يروي عن عمرة ويروي عن ابن إسحاق. (تهذيب التهذيب ٥/ ١٦٤، ١٦٥).
(٤) أخرجه أبو نعيم (دلائل النبوة ص ١٠١) وعقيل بن خالد لم أقف على ترجمة له، واستغرب متنه الحافظ ابن كثير.