للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والصحيح أن المراد بقوله: ﴿زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ أي: صرتم إليها ودفنتم فيها، كما جاء في

الصحيح: أن رسول الله دخل على رجل من الأعراب يعوده، فقال: "لا بأس، طهور إن شاء الله". فقال: قلت: طَهُور؟! بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تُزيره القبور! قال: "فَنَعَم إذًا" (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، أخبرنا حكام بن سلم الرازي، عن عمرو بن أبي قيس، عن الحجاج، عن المِنْهال، عن زر بن حُبَيش، عن علي قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)(٢).

ورواه الترمذي عن أبي كُرَيب، عن حَكَّام بن سلم به، وقال: غريب (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سلمة بن داود العُرضي، حدثنا أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران قال: كنت جالسًا عند عمر بن عبد العزيز، فقرأ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)﴾ فلبث هُنَيهة فقال: يا ميمون، ما أرى المقابر إلا زيارة، وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله (٤).

قال أبو محمد (٥): يعني أن يرجع إلى منزله، إلى جنة أو نار.

وهكذا ذُكرَ أن بعضَ الأعراب سمع رجلًا يتلو هذه الآية: ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)﴾ فقال: بُعثَ اليوم ورَبّ الكعبة؛ أي: إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره.

وقوله: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)﴾ قال الحسن البصري: هذا وعيد بعد وعيد.

وقال الضحاك: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣)﴾ يعني: الكفار، ﴿ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)﴾ يعني: أيها المؤمنون (٦).

وقوله: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥)﴾ أي: لو علمتم حق العلم، لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الآخرة، حتى صرتم إلى المقابر.

ثم قال: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)﴾ هذا تفسير الوعيد المتقدم، وهو قوله: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)﴾ تَوعَّدَهم بهذا الحال، وهي رؤية النار، التي إذا زفرت زفرة خَرّ كل ملك مقرب، ونبي مرسل على ركبتيه، من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال، على ما جاء به الأثر المروي في ذلك.

وقوله: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)﴾ أي: ثم لتسئلن يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به


(١) أخرجه البخاري من حديث ابن عباس . (الصحيح، المناقب، باب علامات النبوة ح ٣٦١٦).
(٢) أخرجه الترمذي من طريق حكام بن سلم به. (السنن، التفسير، باب ومن سورة ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)﴾ [التكاثر] ح ٣٣٥٥)؛ وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (ح ٦٦٥)؛ وأخرجه الطبري أيضًا بسند ضعيف.
(٣) تقدم تخريجه في الرواية السابقة.
(٤) رجاله ثقات إلا سلمة بن داود العُرضي لم أجد له ترجمة.
(٥) هو ابن أبي حاتم الرازي صاحب التفسير.
(٦) أخرجه الطبري بسند فيه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف.