للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مجاهد وقتادة والضحاك وكذا قال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن ﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾ أي: إذا ذهب فتولى (١).

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البحتري سمع أبا عبد الرحمن السلمي قال: خرج علينا علي حين ثوب المُثوِّب بصلاة الصبح فقال: أين السائلون عن الوتر؟ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨)﴾ هذا حين أدبر (٢). حسن.

وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله: ﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾ إذا أدبر، قال: لقوله: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨)﴾ أي: أضاء، واستشهد بقول الشاعر أيضًا (٣):

حتى إذا الصبح له تنفسا … وانجاب عنها ليلها وعسعسا

أي: أدبر، وعندي أن المراد بقوله: ﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾ إذا أقبل وإن كان يصح استعماله في الإدبار أيضًا لكن الإقبال ههنا أنسب، كأنه أقسم بالليل وظلامه إذا أقبل وبالفجر وضيائه إذا أشرق كما قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (٢)[الليل] وقال تعالى: ﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢)[الضحى] وقال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦] وغير ذلك من الآيات.

وقال كثير من علماء الأصول: إن لفظة ﴿عَسْعَسَ﴾ تستعمل في الإقبال والإدبار على وجه الاشتراك، فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما، والله أعلم.

وقال ابن جرير: وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يزعم أن عسعس دنا من أوله وأظلم، وقال الفراء: كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتًا.

عسعس حتى لو يشا أدنا … كان له من ضوئه مقبس

يريد لو يشاء إذ دنا أدغم الذال في الدال، قال الفراء: وكانوا يزعمون أن هذا البيت مصنوع (٤).

وقوله تعالى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨)﴾ قال الضحاك: إذا طلع.

وقال قتادة: إذ أضاء وأقبل.

وقال سعيد بن جبير: إذا نشأ، وهو المروي عن علي (٥).

وقال ابن جرير: يعني ضوء النهار إذا أقبل وتبين (٦).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)﴾ يعني: إن هذا القرآن لتبليغ رسول كريم؛ أي: ملك شريف حسن الخلق بهي المنظر وهو: جبريل ، قاله ابن عباس والشعبي وميمون بن مهران والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك وغيرهم (٧).

﴿ذِي قُوَّةٍ﴾ كقوله


(١) أخرجه الطبري بالأسانيد الصحيحة المتقدمة عن مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بلفظ: "أدبر".
(٢) أخرجه الطبري والحاكم من طريق أبي حصين عن أبي عبد الرحمن به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/ ٥١٦).
(٣) هو علقمة بن قُرط كما صرح معمر بن المثنى. (مجاز القرآن ٢/ ٢٨٨) والطبري.
(٤) ذكره الفراء واستشهد به. (معاني القرآن ٣/ ٢٤٢) والطبري.
(٥) تقدم تخريجه عنهم وبيان ألفاظهم.
(٦) ذكره الطبري بلفظه.
(٧) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر عن ابن عباس، وأخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.