للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهد: هذه كقوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)[الإنسان] (١) أي: بيناه له وأوضحناه وسهلنا عليه عمله، وكذا قال الحسن وابن زيد (٢)، وهذا هو الأرجح، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)﴾ أي: أنه بعد خلقه له أماته فأقبره؛ أي: جعله ذا قبر والعرب تقول: قبرت الرجل إذا ولى ذلك منه، وأقبره الله، وعضبت قرن الثور، وأعضبه الله، وبترت ذنب البعير، وأبتره الله، وطردت عني فلانًا، وأطرده الله؛ أي: جعله طريدًا قال الأعشى:

لو أسندت ميتًا إلى صدرها … عاش ولم ينقل إلى قابر (٣)

وقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢)﴾ أي: بعثه بعد موته؛ ومنه يقال: البعث والنشور ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠)[الروم]، ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: ٢٥٩].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أصبغ بن الفرج، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن درَّاجًا أبا السمح أخبره، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبي قال: "يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه" قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: "مثل حبة خردل منه ينشأون" (٤). وهذا الحديث ثابت في الصحيحين من رواية الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بدون هذه الزيادة، ولفظه: "كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب" (٥).

وقوله تعالى: ﴿كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣)﴾ قال ابن جرير: يقول: كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدَّى حق الله عليه في نفسه وماله ﴿لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ يقول: لم يؤد ما فرض عليه ﷿ من الفرائض لربه ﷿ (٦).

ثم روى هو وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ﴿كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣)﴾ قال: لا يقضي أحدًا أبدًا كل ما افترض عليه (٧)، وحكاه البغوي عن الحسن البصري بنحو من هذا (٨)، ولم أجد للمتقدمين فيه كلامًا سوى هذا، والذي يقع لي في معنى ذلك، والله أعلم أن المعنى: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢)﴾ أي: بعثه ﴿كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣)﴾ أي: لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب الله أن سيوجد منهم ويخرج إلى الدنيا، وقد أمر به تعالى كونًا وقدرًا، فإذا تناهى ذلك عند الله أنشر الله الخلائق وأعادهم كما بدأهم.

وقد روى ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: قال عزير : قال الملك الذي جائني: فإن


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة عن الحسن، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد بنحوه.
(٣) ديوان الأعشى ص ١٣٩ واستشهد به الطبري، وذكر ما قيل عن العرب.
(٤) سنده ضعيف لضعف روايه دراج عن أبي الهيثم ويتقوى بالشواهد الصحيحة التالية دون آخره.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة النبأ آية ١٨.
(٦) ذكره الطبري بلفظه.
(٧) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح به.
(٨) ذكره البغوي بنحوه عن الحسن. (معالم التنزيل ٤/ ٤٤٨).