للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طاوس، عن ابن عباس، عن النبي : ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ قال: "مائة آية" (١). وهذا حديث غريب جدًا لم أره إلا في معجم الطبراني رحمه الله تعالى.

وقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ أي: أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم وآتوا الزكاة المفروضة، وهذا يدل لمن قال إن فرض الزكاة نزل بمكة لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة والله أعلم.

وقد قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من السلف: إن هذه الآية نَسخَت الذي كان الله قد أوجبه على المسلمين أولًا من قيام الليل (٢)، واختلفوا في المدة التي بينهما على أقوال كما تقدم، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله قال لذلك الرجل: "خمس صلوات في اليوم والليلة" قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع" (٣).

وقوله تعالى: ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ يعني: من الصدقات، فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره، كما قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: ٢٤٥] وقوله تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ أي: جميع ما تقدموه بين أيديكم فهو لكم حاصل وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا.

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله: قال رسول الله : "أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ " قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه قال: "اعلموا ما تقولون" قالوا: ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله؟ قال: "إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر" (٤). ورواه البخاري من حديث حفص بن غياث والنسائي من طريق أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به (٥).

ثم قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي: أكثروا من ذكره واستغفاره في أموركم كلها فإنه غفور رحيم لمن استغفره.

آخر تفسير سورة المزمل، ولله الحمد والمنة، وصلواته وسلامه على خير خلقه محمد وآله وصحبه.


(١) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ١١/ ٢٩ ح ١٠٩٤٠) وقال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن طاوس، ولم أعرفه (مجمع الزوائد ٧/ ١٣٣).
(٢) أخرجه ابن الجوزي بسند حسن من طريق عكرمة عن ابن عباس، وأخرجه أيضًا بسند حسن من طريق مبارك، وهو ابن فضالة، عن الحسن، وهو مرسل ويتقوى بسابقه (نواسخ القرآن ص ٤٩٦ - ٤٩٨).
(٣) صحيح البخاري، الإيمان، باب الزكاة من الإسلام (ح ٤٦)؛ وصحيح مسلم، الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (ح ١١).
(٤) أخرجه أبو يعلى بسنده ومتنه (المسند ٩/ ٩٧ ح ٥١٦٣) وسنده صحيح.
(٥) صحيح البخاري، الرقاق، باب ما قدم من ماله فهو له (ح ٦٤٤٢)؛ وسنن النسائي، الوصايا، باب الكراهية في تأخير الوصية ٦/ ٢٣٧.