للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أتباعه من كفار القبط، وقرأ آخرون بفتحها (١)؛ أي: ومن قبله من الأُمم المشبهين له.

وقوله: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتُ﴾ وهم الأُمم المكذبون بالرسل ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ بالفعلة الخاطئة وهي التكذيب بما أنزل الله.

قال الربيع: ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ أي: بالمعصية.

وقال مجاهد: بالخطايا، ولهذا قال تعالى: ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾ وهذا جنس؛ أي: كُلّ كذَّب رسول الله إليهم كما قال تعالى: ﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ [ق: ١٤] ومن كذب برسول فقد كذب بالجميع كما قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥)[الشعراء] ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)[الشعراء]، ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١)[الشعراء]، وإنما جاء إلى كل أُمة رسول واحد ولهذا قال ههنا: ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (١٠)﴾ أي: عظيمة شديدة أليمة.

قال مجاهد: ﴿رَابِيَةً﴾: شديدة (٢).

وقال السدي: مهلكة.

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾ أي: زاد على الحد بإذن الله وارتفع على الوجود.

وقال ابن عباس وغيره: ﴿طَغَى الْمَاءُ﴾: كَثُر (٣)، وذلك بسبب دعوة نوح على قومه حين كذبوه وخالفوه، فعبدوا غير الله فاستجاب الله له، وعمَّ أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة، فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، عن أبي سنان سعيد بن سنان، عن غير واحد، عن علي بن أبي طالب قال: لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك، فلما كان يوم نوح أذِن للماء دون الخُزَّان (٤)، فطغى الماء على الخُزَّان، فخرج فذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾ أي: زاد على الحدِّ بإذن الله ﴿حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخُزَّان فخرجت، فذلك قوله تعالى: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ أي: عتت على الخُزَّان (٥)، ولهذا قال تعالى ممتنًا على الناس: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١)﴾ وهي السفينة الجارية على وجه الماء

﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً﴾ عاد الضمير على الجنس لدلالة المعني عليه؛ أي: وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار كما قال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [الزخرف]، وقال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (٤٢)[يس] وقال قتادة: أبقى الله السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأُمة (٦)، والأول أظهر ولهذا قال تعالى: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ أي: وتفهم هذه النعمة وتذكرها أُذن واعية.


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٤) أي: الملائكة.
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإبهام الراوي عن علي .
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.