للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أخبرني محمد بن مسلم أن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت الأنصاري (١) أخبراه أن رسول الله غزا غزوة المريسيع، وهي التي هدم رسول الله فيها مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلل وبين البحر، فبعث رسول الله خالد بن الوليد فكسر مناة، فاقتتل رجلان في غزوة رسول الله تلك أحدهما من المهاجرين والآخر من بهز، وهم حلفاء الأنصار، فاستعلى الرجل الذي من المهاجرين على البهزي فقال البهزي: يا معشر الأنصار، فنصره رجال من الأنصار، وقال المهاجري: يا معشر المهاجرين، فنصره رجال من المهاجرين حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين والرجال من الأنصار شيء من القتال، ثم حجز بينهم فانكفأ كل منافق أو رجل في قلبه مرض إلى عبد الله بن أُبي بن سلول فقال: قد كنت ترجى وتدفع فأصبحت لا تضر ولا تنفع، قد تناصرت علينا الجلابيب وكانوا يدعون كل حديث الهجرة الجلابيب، فقال عبد الله بن أُبي عدو الله: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.

قال مالك بن الدخشن وكان من المنافقين: ألم أقل لكم لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فسمع بذلك عمر بن الخطاب فأقبل يمشي حتى أتى رسول الله فقال: يا رسول الله ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضرب عنقه، يريد عمر عبد الله بن أُبي، فقال رسول الله لعمر: "أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله؟ " قال عمر: نعم والله لئن أمرتني بقتله لأضربن عنقه، فقال رسول الله : "اجلس" فأقبل أُسيد بن حضير وهو أحد الأنصار ثم أحد بني عبد الأشهل حتى أتى رسول الله فقال: يا رسول الله ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضرب عنقه، فقال رسول الله : "أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله؟ " قال: نعم والله لئن أمرتني بقتله لأضربن بالسيف تحت قرط أذنيه، فقال رسول الله : "اجلس" ثم قال رسول الله : "آذنوا بالرحيل" فهجَّر بالناس فسار يومه وليلته والغد حتى متع النهار، ثم نزل ثم هجر بالناس مثلها حتى صبح بالمدينة في ثلاث سارها من قفا المشلل. فلما قدم رسول الله المدينة أرسل إلى عمر فدعاه فقال له رسول الله : "أي عمر أكنت قاتله لو أمرتك بقتله؟ " قال عمر: نعم، فقال رسول الله : "والله لو قتلته يومئذٍ لأرغمت أنوف رجال لو أمرتهم اليوم بقتله امتثلوه، فيتحدث الناس أني قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صبرًا" وأنزل الله ﷿: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ الآية (٢). وهذا سياق غريب وفيه أشياء نفيسة لا توجد إلا فيه.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أُبي لما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلًا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا


(١) كذا في الأصول. قال الحافظ ابن حجر: صوابه عمر بن ثابت الأنصاري (التقريب ص ٤١٩).
(٢) سنده ضعيف لإرساله ولبعضه شواهد تقدم ذكرها.