للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسول الله : "إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب" ثم قرأ: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ يعني بقية من بقي من أمة محمد . وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أي: ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره،

وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)﴾ يعني: ما أعطاه الله محمدًا من النبوة العظيمة، وما خصَّ به أُمته من بعثته إليهم (١).

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)﴾.

يقول تعالى ذامًّا لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ثم لم يعملوا بها: مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارًا؛ أي: كمثل الحمار إذا حمل كتبًا لا يدري ما فيها، فهو يحملها حملًا حسيًا ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه حفظوه لفظًا ولم يتفهموه ولا عملوا بمقتضاه، بل أوَّلوه وحرفوه وبدلوه فهم أسوأ حالًا من الحمير؛ لأن الحمار لا فهم له وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] وقال تعالى ههنا: ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له: أنصت ليس له جمعة" (٢).

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦)﴾ أي: إن كنتم تزعمون أنكم على هدى، وأن محمدًا وأصحابه على ضلالة، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾؛ أي: فيما تزعمونه.

قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: بما يعملون لهم من الكفر والظلم والفجور ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ وقد قدمنا الكلام في سورة البقرة على هذه المباهلة لليهود، حيث قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٩٦)[البقرة]، وقد أسلفنا الكلام هناك، وبينا أن المراد أن يدعوا على الضلال من أنفسهم أو خصومهم كما تقدمت مباهلة النصارى في آل عمران ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ


(١) أخرجه الطبراني من طريق الوليد بن مسلم به (المعجم الكبير ٦/ ٢٠١) قال الهيثمي: إسناده جيد (مجمع الزوائد ١٠/ ٤٠٨).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ١٨٤) وسنده ضعيف.