للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسول الله : "إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا ربِّ أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك" (١). إسناده صحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه ولكن له شاهد في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (٢).

وقوله تعالى: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ لما أخبر عن مقام الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء من غير عمل يقتضي ذلك، أخبر عن مقام العدل وهو أنه لا يؤاخذ أحدًا بذنب أحد فقال تعالى: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ أي: مرتهنٌ بعمله لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس؛ سواء كان أبًا أو ابنًا كما قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١)[المدثر].

وقوله: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢)﴾ أي: وألحقناهم بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويشتهى.

وقوله: ﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا﴾ أي: يتعاطون فيها كأسًا؛ أي: من الخمر، قاله الضحاك (٣). ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ أي: لا يتكلمون فيها بكلام لاغٍ أي: هذيان ولا إثم أي: فحش كما يتكلم به الشربة من أهل الدنيا.

قال ابن عباس: اللغو الباطل والتأثيم الكذب (٤).

وقال مجاهد: لا يستبون ولا يؤثمون (٥).

وقال قتادة: كان ذلك في الدنيا مع الشيطان (٦)، فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، كما تقدم فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكلية، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيء الفارغ عن الفائدة المتضمن هذيانًا وفحشًا، وأخبر بحسن منظرها وطيب طعمها ومخبرها فقال: ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)[الصافات] وقال: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩)[الواقعة]. وقال ههنا: ﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (٢٣)﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤)﴾ إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة، كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في حسنهم وبهائهم ونظافتهم وحسن ملابسهم، كما قال: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨)[الواقعة].

وقوله تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٥)﴾ أي: أقبلوا يتحادثون ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا، وهذا كما يتحدث أهل الشراب على شرابهم إذا أخذ فيهم الشراب بما كان


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٥٠٩). وسنده حسن، وصححه الحافظ ابن كثير.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة الفرقان آية ٧٤ في آخرها.
(٣) لم أجد من أخرجه.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٥) أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.