للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يهلكنا الليل والنهار وهو الذي يهلكنا يميتنا ويحيينا، فقال الله تعالى في كتابه: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ " ويسبون الدهر فقال الله ﷿: "يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" (١)، وكذا رواه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن منصور، عن شريح بن النعمان، عن ابن عيينة مثله. ثم روى عن يونس، عن ابن وهب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "قال الله تعالى: يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار" وأخرجه صاحبا الصحيح والنسائي من حديث يونس بن يزيد به (٢).

وقال محمد بن إسحاق: عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله : قال "يقول الله تعالى: استقرضت عبدي فلم يعطني وسبني عبدي، يقول وادهراه وأنا الدهر" (٣).

قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله : "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" كانت العرب في جاهليتهم إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: يا خيبة الدهر، فينسبون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله ﷿؛ لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار؛ لأن الله تعالى هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال، هذا أحسن ما قيل في تفسيره وهو المراد، والله أعلم، وقد غَلَط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدِّهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذًا من هذا الحديث.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ أي: إذا استُدِلّ عليهم وبُيّن لهم الحق، وأن الله تعالى قادر على إعادة الأبدان بعد فنائها وتفرقها ﴿مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي: أحيوهم إن كان ما تقولونه حقًا.

قال الله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ أي: كما تشاهدون ذلك يخرجكم من العدم إلى الوجود ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨] أي: الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧]، ﴿ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي: إنما يجمعكم إلى يوم القيامة لا يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا: ﴿ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ﴾ [التغابن: ٩] ﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣)[المرسلات]، ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤)[هود] وقال ههنا: ﴿ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي: لا شك فيه ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: فلهذا ينكرون المعاد ويستبعدون قيام الأجساد قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧)[المعارج] أي: يرون وقوعه بعيدًا والمؤمنون يرون ذلك سهلًا قريبًا.


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، واستغربه الحافظ ابن كثير.
(٢) تقدم نحوه قبل الرواية السابقة مخرجة من الصحيحين والسنن الكبرى للنسائي.
(٣) أخرجه الحاكم من طريق ابن إسحاق به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ٤١٨).