للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ تدرون ما ذلك الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام، قال: فأتينا ابن مسعود ، فذكرنا له ذلك وكان مضطجعًا، ففزع فقعد وقال: إن الله ﷿ قال لنبيكم : ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)[ص] إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم سأحدثكم عن ذلك، إن قريشًا لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان، وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد.

قال الله تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١)﴾ فأتى رسول الله فقيل: يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت، فاستسقى لهم فسقوا فنزلت ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥)﴾ قال ابن مسعود : فيكشف عنهم العذاب يوم القيامة فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله ﷿: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)﴾ قال: يعني يوم بدر، قال ابن مسعود : فقد مضى خمسة: الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام (١)، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ورواه الإمام أحمد في مسنده، وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيريهما، وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به (٢)، وقد وافق ابن مسعود على تفسير الآية بهذا، وأن الدخان مضى: جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي (٣)، وهو اختيار ابن جرير.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن مسافر، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا عبد الرحمن الأعرج في قوله: ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ قال: كان يوم فتح مكة (٤)، وهذا القول غريب جدًّا بل منكر.

وقال آخرون: لم يمض الدخان بعد بل هو من أمارات الساعة كما تقدم من حديث أبي سريحة حذيفة بن أُسيد الغفاري ، قال: أشرف علينا رسول الله من عرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال : "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى ابن مريم والدجال وثلاث خسوف: خسف


(١) أخرجه البخاري من طريق الأعمش به مختصرًا على الشطر الأخير في سطر (الصحيح، التفسير، سورة الدخان، باب ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ [الدخان: ١٠] ح ٤٨٢٠)، وأخرجه مسلم من طريق أبي الضحى به كاملًا بنحوه (الصحيح، صفات المنافقين، باب الدخان ح ٢٧٩٨).
(٢) سنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة الدخان (ح ٣٢٥٤)، والسنن الكبرى، التفسير (ح ١١٤٨١) وتفسير الطبري.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف الأعرابي عن أبي العالية، وأخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٤) سنده ضعيف لإرساله وما قيل في ابن لهيعة.