للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من رواية زكريا بن منظور، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد ، عن النبي فذكره (١). ورواه الطبراني من طريق زمعة بن صالح، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي : "لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما أعطى كافرًا منها شيئًا" (٢).

ثم قال: ﴿وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي: هي لهم خاصة لا يشاركهم فيها أحد غيرهم، ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لرسول الله حين صعد إليه في تلك المشربة لما آلى من نسائه، فرآه على رمال حصير قد أثر بجنبه، فابتدرت عيناه بالبكاء وقال: يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت صفوة الله من خلقه، وكان رسول الله متكئًا فجلس وقال: "أو فيَّ شاك أنت يا ابن الخطاب؟ " ثم قال : "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا" (٣) وفي رواية "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة".

وفي الصحيحين أيضًا وغيرهما أن رسول الله قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة" (٤) وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتهم كما روى الترمذي وابن ماجه من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله : "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء أبدًا" قال الترمذي: حسن صحيح (٥).

﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ﴾ أي: يتعامى ويتغافل ويعرض ﴿عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ والعشا في العين: ضعف بصرها، والمراد ههنا عشا البصيرة ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)[النساء]، وكقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥] وكقوله: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ


(١) أخرجه البغوي من طريق زكريا بن منظور به (معالم التنزيل ٤/ ١١٣٨)، وأخرجه ابن ماجه (السنن، الزهد، باب مثل الدنيا ح ٤١١٠)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٣٣١٨).
(٢) المعجم الكبير ٦/ ١٧٨ (ح ٥٩٢١) وفي سنده زمعة بن صالح وهو ضعيف لكنه توبع في الرواية السابقة.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة طه آية ١٣١.
(٤) صحيح البخاري، الأطعمة، باب الأكل في إناء مفضض (ح ٥٤٢٦)، وصحيح مسلم، اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة (ح ٢٠٦٧).
(٥) تقدم تخريجه قبل روايتين.