للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي، حدثنا مصمد بن يزيد خادم الفضيل بن عياض قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلًا، فقل: يا أخي اعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو، ولكن أنتصر كما أمرني الله ﷿، فقل له: إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو، فإنه باب واسع، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يقلب الأمور (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى يعني ابن سعيد القطان، عن ابن عجلان، حدثنا سعيد، عن أبي هريرة قال: إن رجلًا شتم أبا بكر والنبي جالس، فجعل النبي يعجب ويتبسم، فلما أكثر ردَّ عليه بعض قوله، فغضب النبي وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال: "إنه كان معك ملك يردُّ عنك، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان"، ثم قال: "يا أبا بكر: ثلاث كلهنَّ حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله، إلا أعزه الله تعالى بها ونصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة، إلا زاده الله ﷿ بها قلة" (٢). وكذا رواه أبو داود، عن عبد الأعلى بن حماد، عن سفيان بن عيينة قال: ورواه صفوان بن عيسى كلاهما عن محمد بن عجلان، ورواه من طريق الليث، عن سعيد المقبري، عن بشير بن المحرر، عن سعيد بن المسيب مرسلًا (٣)، وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى، وهو مناسب للصديق .

﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن نفسه الكريمة أنه ما يشاء كان ولا رادَّ له، وما لم يشأ لم يكن فلا موجد له، وأنه من هداه فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، كما قال: ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧] ثم قال مخبرًا عن الظالمين وهم المشركون بالله: ﴿لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ أي: يوم القيامة تمنوا الرجعة إلى الدنيا ﴿يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ﴾ كما قال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨)[الأنعام].

وقوله: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا﴾ أي: على النار ﴿خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ﴾ أي: الذي قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله تعالى ﴿يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾.


(١) سنده صحيح.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٥/ ٣٩٠ ح ٩٦٢٤) وقال محققوه: حسن لغيره.
(٣) سنن أبي داود، الأدب، باب في الانتصار (ح ٤٨٩٨)، ويتقوى بسابقه.