للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الثالث: أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغير واحد من السلف أن الله بعد إنزاله التوراة لم يهلك أُمة من الأُمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين، ذكروه عند قوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ﴾ (١) [القصص: ٤٣] فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن قرية أخرى غير أنطاكية، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضًا. أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظًا في هذه القصة مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملَّة النصرانية ولا قبل ذلك، والله أعلم.

فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني، حدثنا حسين الأشقر، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس ، عن النبي قال: "السبق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب " (٢) فإنه حديث منكر، لا يعرف إلا من طريق حسين الأشقر، وهو شيعي متروك.

﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٣٢)﴾.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ أي: يا ويل العباد (٣). وقال قتادة: ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ أي: يا حسرة العباد على أنفسهم على ما ضيعت من أمر الله، وفرطت في جنب الله، وفي بعض القراءات: "يا حسرة العباد على أنفسهم" (٤)، ومعنى هذا يا حسرتهم وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، كيف كذبوا رسل الله؟ وخالفوا أمر الله، فإنهم كانوا في الدار الدنيا المكذبون منهم ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي: يكذبونه ويستهزئون به ويجحدون ما أرسل به من الحق.

ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (٣١)﴾ أي: ألم يتعظوا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل؟ كيف لم يكن لهم إلى هذه الدنيا كرّة ولا رجعة؟ ولم يكن الأمر كما زعم كثير من جهلتهم وفجرتهم من قولهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ [المؤمنون: ٣٧] وهم القائلون بالدور من الدهرية، وهم الذين يعتقدون جهلًا منهم أنهم يعودون إلى الدنيا، كما كانوا فيها، فردَّ الله عليهم باطلهم، فقال : ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (٣١)﴾.


(١) قول أبي سعيد الخدري تقدم عند هذه الآية نفسها في سورة القصص.
(٢) أخرجه الطبراني بسنده ومتنه (المعجم الكبير ١١/ ٩٣ ح ١١١٥٢) وسنده ضعيف جدًا لأن حسين الأشقر: متروك.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، والقراءة شاذة تفسيرية.