للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله ﷿: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥] هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب، وهم الأدعياء فأمر برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، وأن هذا هو العدل، والقسط، والبر.

لكن هذه الدعوة مرفوضة لأن الآية لا تنسخ حكمًا إسلاميًا، وإنما يقبل النسخ للحكم الذي شرعه الله في الإسلام أو شرعه رسول الله ، ثم شرع بعده في موضوعه حكمًا آخر يخالفه ويناقضه. لكنا نستطيع -مع هذا- أن نقول: إنها وجهة نظر وليس خطأً مؤكدًا (١). ا هـ.

والجواب: أن فضيلته صرّح بأنها وجهة نظر وليس خطأً مؤكدًا، وكذلك فإن الحافظ ابن كثير استدل بحديث متفق عليه عن سالم بن عبد الله بن عمر أن زيدًا بن حارثة مولى رسول الله ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥].

وتبقى قصة العتبي التي ساقها في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٦٤].

وقد وفّى الشيخ الفاضل سامي بن محمد السلامة هذه القصة حقها في تحقيقه لتفسير ابن كثير عند تفسير هذه الآية، وبرهن على بطلانها ناقلًا أقوال العلماء المعتبرين من المتقدمين والمعاصرين، ثم أضاف فضيلة الدكتور محمد بن عبد الله الفالح أن الحافظ ابن كثير لم يستحسن ذلك، ووضح معتقده الذي يأبى مثل تلك القصة (٢).

وأضيف على ما ذكره أن هذه الحكاية يرويها بعضهم عن العتبي بلا إسناد، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي.

وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم بن روح بن يزيد البصري، حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي … فذكرها (٣).

وأما ما ذكر أنه يستطرد في إيراد سرد الأحاديث الشريفة الكثيرة، وأنه يستشهد ببعض الروايات الضعيفة، وأنه لا يعتني بالإعراب فقد أجبت عن ذلك في مبحث منهج الحافظ ابن كثير، في البيان النبوي واللغوي.


(١) سيأتي تخريجه في تفسير سورة الأحزاب آية [٥].
(٢) حياة ابن كثير في كتابه "تفسير القرآن العظيم" (ص ٣١ - ٣٣).
(٣) ينظر: "الصارم المنكي في الرد على السبكي" (ص ٣٣٧، ٣٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>