﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ أي: مُر. ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ يعني: السمك ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ كما قال ﷿: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣)﴾ [الرحمن].
وقوله جلَّ وعلا: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ أي: تمخره وتشقه بحيزومها وهو مقدمها المسنم الذي يشبه جؤجؤ الطير وهو صدره.
وقال مجاهد: تمخر الريح السفن ولا يمخر الريح من السفن إلا العظام.
وقوله جلَّ وعلا: ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي: بأسفاركم بالتجارة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي: تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم، وهو البحر، تتصرفون فيه كيف شئتم، تذهبون أين أردتم، ولا يمتنع عليكم شيء منه، بل بقدرته قد سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض، الجميع من فضله ورحمته.
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)﴾.
وهذا أيضًا من قدرته التامة وسلطانه العظيم في تسخيره الليل بظلامه، والنهار بضيائه، ويأخذ من طول هذا فيزيده في قصر هذا فيعتدلان، ثم يأخذ من هذا في هذا، فيطول هذا ويقصر هذا، ثم يتقارضان صيفًا وشتاء ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ أي: والنجوم السيارات، والثوابت الثاقبات بأضوائهن أجرام السماوات، الجميع يسيرون بمقدار معين، وعلى منهاج مقنن محرر، تقديرًا من عزيز عليم.
﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي: إلى يوم القيامة ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ أي: الذي فعل هذا هو الربُّ العظيم الذي لا إله غيره ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ أي: من الأصنام والأنداد التي هي على صورة من تزعمون من الملائكة المقربين.
﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ قال ابن عباس ﵄ ومجاهد وعكرمة وعطاء وعطية العوفي والحسن وقتادة وغيرهم: القطمير هو: اللفافة التي تكون على نواة التمرة (١)؛ أي: لا يملكون من السماوات والأرض شيئًا ولا بمقدار هذا القطمير.
ثم قال تعالى: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ يعني: الآلهة التي تدعونها من دون الله لا تسمع دعاءكم، لأنها جماد لا أرواح فيها، ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ أي: لا يقدرون على شيء مما يطلبون منها ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ أي: يتبرؤون منكم، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ
(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول الحسن أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.