للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى، فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينةً في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر، وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجئُ وتسير بنفسها، وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد] (١).

[فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل. فقال: ويحكم! هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي، وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع؟! فبهت القوم، ورجعوا إلى الحق، وأسلموا على يديه] (١).

[وعن الشافعي أنه سئل عن وجود الصانع، فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد، يأكله الدود فيخرج منه الإ بريسم، وتأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة (والبعير) (٢) والأنعام فتلفيه بعرًا وروثًا، وتأكله الظباء فيخرج (منها) (٣) المسك، وهو شيء واحد.

وعن الإمام أحمد (بن حنبل) (٤) (٥) أنه سئل عن ذلك، فقال: ها هنا حصن حصين أملس، ليس له باب ولا منفذ، ظاهره كالفضة البيضاء، وباطنه كالذهب الإبريز؛ فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره، فخرج منه حيوان سميع بصير، ذو شكل حسن وصوت مليح - يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الدجاجة.

وسئل أبو نواس عن ذلك، فأنشد:

تأمل في نبات الأرض وانظر … إلى آثار ما صنع المليك] (٦)

[عيون من لجين شاخصات … بأحداق هي الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات … بأن الله ليس له شريك

وقال ابن المعتز:

فيا عجبًا كيف يعصى الإلـ … ــه أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية … تدل على أنه واحد

وقال آخرون: من تأمل هذه السموات في ارتفاعها واتساعها، وما فيها من الكواكب الكبار والصغار (المنيرة) (٧) من السيارة ومن الثوابت، وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم وليلة دويرةً، ولها في أنفسها سير يخصها، ونظر إلى البحار المكتنفة للأرض من كل جانب، والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها، كما قال (تعالى) (٨): ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٧، ٢٨]] (٩).


(١) ساقط من (ز) و (ك).
(٢) كذا في (ز) و (ل)؛ وفي (ن): "البقر".
(٣) كذا في (ج) و (ن)؛ وفي (ل): "منه".
(٤) من (ن).
(٥) من (ل).
(٦) ساقط من (ز) و (ك) و (هـ) و (ي).
(٧) في (ن): "النيرة"
(٨) في (ن).
(٩) ساقط من (ز) و (ك) و (هـ) و (ى).