للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قال القرطبي (١): "أو" للتساوي، مثل جالس الحسن أو ابن سيرين على ما وجهه الزمخشري (٢) إن كلا منهما مساوٍ للآخر في إباحة] (٣) [الجلوس إليه، ويكون معناه على قوله: سواء ضربنا لهم مثلًا بهذا أو بهذا، فهو مطابق لحالهم.

قلت: وهذا يكونُ باعتبار جنس المنافقين؛ فإنهم أصناف، ولهم أحوال وصفات كما ذكرها اللّه (تعالى) (٤) في سورة (براءة) (٥)؛ ومنهم؛ ومنهم؛ ومنهم - يذكر أحوالهم وصفاتهم، وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال؛ فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقةً لأحوالهم وصفاتهم. واللّه أعلم؛ كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين؛ في قوله (تعالى) (٦): ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ .. ﴾ إلى أن قال: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ … ﴾ الآية [النور: ٣٩: ٤٠]، فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب. والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين. واللّه أعلم بالصواب (٧)] (٣).

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)﴾.

شرع (٨) في بيان وحدانية ألوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة، بأن جعل لهم الأرض فراشًا؛ أي: مهدًا كالفراش (مقررةً) (٩) موطأةً، مثبتةً بالرواسي الشامخات، والسماء بناءً وهو السقف، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (٣٢)[الأنبياء: ٣٢] وأنزل لهم من السماء ماءً؛ والمراد به السحاب ها هنا في وقته عند احتياجهم إليه؛ فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد، رزقًا لهم ولأنعامهم، كما قرر هذا في غير موضع من القرآن.

ومن أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: ٦٤].


(١) في "الكشاف" (١/ ٣٣).
(٢) ساقط من (ز).
(٣) في "تفسيره" (١/ ٢١٥).
(٤) من (ك) و (ن) و (هـ) و (ي).
(٥) في (ج): "إبراهيم" وهو خطأ.
(٦) من (ن).
(٧) في حاشية (ع): "بلغ مقابلة، قرأه المصنف معارضًا بأصله، فسح اللّه في مدته".
(٨) في حاشية (ج): "حاشية: قال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن عبد الملك الواسطي، ثنا طلق بن غنام، ثنا قيس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عكرمة، عن عبد الله قال: كل شيء نزل ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ [البقرة: ٢١] فهو بمكة، وكل شيء ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] فهو بالمدينة. ثم قال: لا نعلم أحدًا أسنده إلا قيس وغيره يرويه مرسلًا"، وأدخل ناسخ (ل) هذه الحاشية في سياق كلام المصنف وفيه نظر إذ صرح ابن المحب ناسخ (ج) أنها حاشية، ولم يشر أنها من صنع المؤلف لذلك ما وجدتها في أي نسخة مسبوكة في سياق الكتاب واللّه أعلم.
(٩) في (ز): "مقدرة". ومعنى "مقررة": مسواةً مدحوة كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا﴾ [غافر: ٦٤] ويأتي ذكر المؤلف لها قريبًا إن شاء اللّه تعالى.