للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله : "قولوا اللَّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم" (١). وقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث مالك به. وقال الترمذي: حسن صحيح (٢).

وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا: يا رسول الله أما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ فقال: "قولوا: اللَّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد" (٣). وذكره ورواه الشافعي في مسنده عن أبي هريرة بمثله (٤)، ومن ههنا ذهب الشافعي إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله في التشهد الأخير، فإن تركه لم تصح صلاته، وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنِّع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة، ويزعم أنه قد تفرد بذلك.

وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم فيما نقله القاضي عياض عنهم، وقد تعسف هذا القائل في ردِّه على الشافعي، وتكلف في دعواه الإجماع في ذلك، وقال ما لم يحط به علمًا، فإنا قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله في الصلاة، كما هو ظاهر الآية، ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو مسعود البدري وجابر بن عبد الله، ومن التابعين: الشعبي وأبو جعفر الباقر ومقاتل بن حيان، وإليه ذهب الشافعي لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضًا، وإليه ذهب الإمام أحمد أخيرًا فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي به، وبه قال إسحاق بن راهويه والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي ، حتى أن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه كما علمهم أن يقولوا لما سألوه، وحتى أن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على آله فيما حكاه البندنيجي وسليم الرازي وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولًا عن الشافعي. والصحيح أنه وجه على أن الجمهور على خلافه، وحكوا الإجماع على خلافه وللقول بوجوبه ظواهر الحديث والله أعلم.

والغرض أن الشافعي يقول بوجوب الصلاة على النبي في الصلاة سلفًا وخلفًا كما تقدم، ولله الحمد والمنة، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديمًا ولا حديثًا، والله أعلم.


(١) المصدر السابق (ح ٤٠٥).
(٢) سنن أبي داود، الصلاة، باب الصلاة على النبي (ح ٩٨٠)، وسنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة الأحزاب (ح ٣٢٢٠)، وسنن النسائي، السهو، باب الفضل في الصلاة على النبي ٣/ ٤٥.
(٣) (المسند ٤/ ١٩١)، وسنن أبي داود، الباب السابق (ح ٩٨١)، وسنن الترمذي، الباب السابق ٣٢٢٠، وسنن النسائي، السهو باب الفضل في الصلاة على النبي ٣/ ٤٥ وصحيح ابن خزيمة (ح ٧١١) والمستدرك ١/ ٢٦٨، وسنده حسن وصرح ابن إسحاق بالتحديث.
(٤) ترتيب مسند الشافعي، الصلاة، باب في الدعاء (ح ٤٩٧).