للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد، وإن لم يسمع المسلم الرد، والله أعلم] (١).

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤)﴾.

يُنبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالًا بعد حال، فأصله من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، ثم يصير عظامًا، ثم تكسى العظام لحمًا، وينفخ فيه الروح، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفًا نحيفًا واهن القوي، ثم يشبُّ قليلًا قليلًا حتى يكون صغيرًا، ثم حدثًا ثم مراهقًا شابًا. وهو القوة بعد الضعف، ثم يشرع في النقص فيكتهل ثم يشيخ ثم يهرم، وهو الضعف بعد القوة، فتضعف الهمَّة والحركة والبطش، وتشيب اللَّمة، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة، ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ أي: يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن فُضيل ويزيد، حدثنا فُضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي قال: قرأت على ابن عمر ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا﴾ فقال: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا﴾ ثم قال: قرأت على رسول الله كما قرأتُ عليَّ، فأخذ عليَّ كما أخذتُ عليكَ (٢)، ورواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث فضيل (٣)، ورواه أبو داود من حديث عبد الله بن جابر، عن عطية، عن أبي سعيد بنحوه (٤).

﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧)﴾.

يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا فعلوا من عبادة الأوثان، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضًا، فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا غير ساعة واحدة في الدنيا، ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم. قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ أي: فيردّ عليهم المؤمنون العلماء في الآخرة كما أقاموا عليهم حجة الله في الدنيا، فيقولون لهم حين يحلفون ما لبثوا غير ساعة ﴿لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ أي: في كتاب الأعمال ﴿إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ أي: من يوم خلقتم إلى أن بعثتم ﴿وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.


(١) ما بين المعقوفين زيادة من (ح) و (حم).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٩/ ١٨٥ ح ٥٢٢٧)، وضعف سنده محققوه.
(٣) سنن أبي داود، الحروف (ح ٣٩٧٨)، وسنن الترمذي، القراءات (ح ٢٩٣٦) وحكمه كسابقه.
(٤) سنن أبي داود، الحروف (ح ٣٩٧٩).