للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الغراب إذا فقس عن فراخه البيض خرجوا وهم بيض، فإذا رآهم أبواهم كذلك نفرا عنهم أيامًا حتى يسود الريش، فيظل الفرخ فاتحًا فاه يتفقد أبويه فيقيض الله تعالى طيرًا صغارًا كالبرغش (١)، فيغشاه فيتقوت به تلك الأيام حتى يسود ريشه، والأبوان يتفقدانه كل وقت، فكلما رأوه أبيض الريش نفرا عنه، فإذا رأوه قد اسود ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق، ولهذا قال الشاعر:

يا رازق النعاب (٢) في عشه … وجابر العظم الكسير المهيض (٣)

وقد قال الشافعي في جملة كلام له في الأوامر كقوله النبي : "سافروا تصحوا وترزقوا" (٤).

قال البيهقي: أخبرنا إملاء أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن غالب، حدثني محمد بن سنان، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن [رداد] (٥) شيخ من أهل المدينة، حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "سافروا تصحوا وتغنموا" (٦) قال: ورويناه عن ابن عباس (٧).

وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، أخبرنا ابن لهيعة، عن دراج، عن عبد الرحمن بن حجيرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "سافروا تربحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا" (٨) وقد ورد مثل حديث ابن عمر، عن ابن عباس مرفوعًا، وعن معاذ بن جبل موقوفًا، وفي لفظ: "سافروا مع ذوي الجد والميسرة" (٩) قال: ورويناه عن ابن عباس.

وقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي: السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم.

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٦٣)﴾.

يقول تعالى مقررًا أنه لا إله إلا هو، لأن المشركين الذين يعبدون معه غيره معترفون بأنه المستقل بخلق السموات والأرض، والشمس والقمر، وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده ومقدر آجالهم، واختلافها واختلاف أرزاقهم، فتفاوت بينهم، فمنهم الغني والفقير وهو العليم بما يصلح كلًا منهم، ومن يستحق الغنى ممن يستحق الفقر، فذكر أنه المستقل بخلق الأشياء المتفرد بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك، فلم يعبد غيره؟ ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد


(١) البرغش: البعوض اللساع.
(٢) أي: فرخ الغراب.
(٣) أي: المكسور بعدما كاد ينجبر.
(٤) سيأتي تخريجه وضعفه في الرواية التالية.
(٥) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "دراد".
(٦) أخرجه البيهقي (السنن الكبرى ٧/ ١٠٢) قال ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا حديث منكر (العلل ٢/ ٣٠٦).
(٧) أخرجه ابن عدي بسند فيه نهشل بن سعيد وهو متروك. (الكامل في الضعفاء ٧/ ٢٥٢١).
(٨) أخرجه الإمام أحمد بسنده بلفظ: "واغزوا تستغنوا". (المسند ١٤/ ٥٠٧ ح ٨٩٤٥) وضعف سنده محققوه.
(٩) أخرجه الديلمي (مسند الفردوس ح ٣٣٨٧) من حديث معاذ وسنده ضعيف أيضًا فيه إسماعيل بن زياد وهو ضعيف وضعف سنده السيوطي والمناوي كما في فيض القدير شرح الجامع الصغير، ٤/ ٨٢، ٨٣.