للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[محمد]. وقال تعالى بعد وقعة أحد التي كان فيها ما كان من الاختبار والامتحان: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ الآية [آل عمران: ١٧٩].

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن كفار قريش أنهم قالوا لمن آمن منهم واتبع الهدى: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا، واتبعوا سبيلنا ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ أي: وآثامكم إن كانت لكم آثام في ذلك علينا وفي رقابنا، كما يقول القائل: افعل هذا وخطيئتك في رقبتي، قال الله تعالى تكذيبًا لهم: ﴿وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي: فيما قالوه إنهم يحتملون عن أولئك خطاياهم، فإنه لا يحمل أحد وزر أحد، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر: ١٨] وقال تعالى: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [المعارج: ١٠، ١١].

وقوله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة، أنهم يحملون يوم القيامة أوزار أنفسهم وأوزارًا أُخر بسبب ما أضلُّوا من الناس من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئًا، كما قال تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ الآية [النحل: ٢٥]، وفي الصحيح: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئًا" (١).

وفي الصحيح: "ما قتلت نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل" (٢).

وقوله تعالى: ﴿وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أي: يكذبون ويختلقون من البهتان.

وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديثًا فقال: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا [عثمان أبو حفص ابن أبي العاتكة] (٣)، حدثني سليمان بن حبيب المحاربي، عن أبي أُمامة أن رسول الله بلغ ما أرسل به، ثم قال: "إياكم والظلم، فإن الله يعزم يوم القيامة فيقول: وعزتي وجلالي لا يجوزني اليوم ظلم ثم ينادي منادٍ فيقول: أين فلان بن فلان؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال، فيشخص الناس إليها أبصارهم حتى يقوم بين يدي الرحمن ﷿، ثم يأمر المنادي فينادي: من كانت له تباعة أو ظلامة عند فلان بن فلان فهلم، فيقبلون حتى يجتمعوا قيامًا بين يدي الرحمن، فيقول الرحمن: اقضوا عن عبدي، فيقولون: كيف نقضي عنه؟ فيقول: خذوا لهم من حسناته، فلا يزالون يأخذون منها حتى لا يبقى منها حسنة، وقد بقي من


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة المائدة آية ٢.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة المائدة آية ٣٠.
(٣) كذا في تفسير ابن أبي حاتم هو الصواب كما في ترجمته (في تهذيب التهذيب ٧/ ١٢٤)، وفي الأصل صحف إلى: "عثمان بن حفص بن أبي العاملة".