وقوله تعالى: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤)﴾ إنكار عليهم وتهديد لهم، فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيبًا واستبعادًا ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٢٩]، كما قال تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ [لعنكبوت: ٥٣] الآيات، ثم قال: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧)﴾؛ أي: لو أخرناهم وأنظرناهم وأملينا لهم برهة من الدهر وحينًا من الزمان وإن طال، ثم جاءهم أمر الله أي: شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)﴾ [النازعات]، وقال تعالى: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّر﴾ [البقرة: ٩٦]، وقال تعالى: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (١١)﴾ [الليل]، ولهذا قال تعالى: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧)﴾.
وفي الحديث الصحيح:"يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له: هل رأيت خيرًا قط؟ هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا كان في الدنيا، فيصبغ في الجنة صبغة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسًا قط؟ فيقول: لا والله يا رب"(١)؟ أي: ما كأن شيئًا كان.
ولهذا كان عمر بن الخطاب ﵁ يتمثل بهذا البيت:
كأنك لم تؤثر من الدهر ليلة … إذا أنتَ أدركت الذي كنتَ تطلبُ
ثم قال تعالى مخبرًا عن عدله في خلقه أنه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإعذار إليهم، والإنذار لهم، وبعثة الرسل إليهم، وقيام الحجة عليهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٠٩)﴾ كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)﴾ [الإسراء: ١٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩)﴾ [القصص].
يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠)﴾ ثم ذكر أنه يمتنع
(١) أخرجه مسلم من حديث أنس بن مالك ﵁ (الصحيح، صفات المنافقين، باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار ح ٢٨٠٧).