للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا تسكنون، وتأملون ما لا تدركون، إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون، ويبنون فيوثقون، ويأملون فيطيلون، فأصبح أملهم غرورًا، وأصبح جمعهم بورًا، وأصبحت مساكنهم قبورًا، ألا إن عادًا ملكت ما بين عدن وعمان خيلًا وركابًا، فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين (١)؟

وقوله: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠)﴾؛ أي: يصفهم بالقوة والغلظة والجبروت

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١)﴾؛ أي: اعبدوا ربكم وأطيعوا رسولكم، ثم شرع يذكرهم نعم الله عليهم، فقال: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥)﴾؛ أي: إن كذبتم وخالفتم، فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب، فما نفع.

﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠)﴾.

يقول تعالى: مخبرًا عن جواب قوم هود له بعد ما حذرهم وأنذرهم، ورغبهم ورهبهم، وبين لهم الحق، ووضحه ﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (١٣٦)﴾؛ أي: لا نرجع عما نحن عليه ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٥٣]، وهكذا الأمر، فإن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦)[البقرة]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)[يونس].

وقولهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)﴾ قرأ بعضهم (إن هذا إلا خَلْق الأولين) بفتح الخاء وتسكين اللام (٢). قال ابن مسعود والعوفي عن عبد الله بن عباس وعلقمة ومجاهد: يعنون ما هذا الذي جئتنا به إلا أخلاق الأولين (٣)، كما قال المشركون من قريش ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: ٥]، وقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)(٤) [النحل] وقرأ آخرون ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)﴾ بضم الخاء واللام (٥)، يعنون دينهم وما هم عليه من الأمر هو دين الأولين من الآباء والأجداد، ونحن تابعون لهم سالكون وراءهم، نعيش كما عاشوا، ونموت كما ماتوا، ولا بعث ولا معاد، ولهذا قالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨)﴾.

قال علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)﴾ يقول: دين الأولين (٦).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٢) القراءتان متواترتان.
(٣) قول ابن مسعود أخرجه الطبري بسندين صحيحين من طريق علقمة عنه، وقول العوفي عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف وقد أخرجه هو والطبري بطريق آخر ثابت عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقول علقمة أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق عامر الشعبي عنه وقول مجاهد أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٤) زيادة من (ح) و (حم).
(٥) وهي قراءة متواترة.
(٦) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي به.