للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (١١) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)﴾ هذه أعذار سأل الله إزاحتها عنه، كما قال في سورة طه: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (٣٥) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى (٣٦)[طه].

وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)﴾؛ أي: بسبب قتل ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر ﴿قَالَ كَلَّا﴾؛ أي: قال الله له: لا تخف من شيء من ذلك كقوله: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ أي: برهانًا، ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥] ﴿فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ كقوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦]؛ أي: إنني معكما بحفظي وكلائتي ونصري وتأييدي.

﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦)﴾ كقوله في الآية الأخرى: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧]؛ أي: كل منا أرسل إليك ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٧)﴾؛ أي: أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك، فإنَّهم عباد الله المؤمنون وحزبه المخلصون، وهم معك في العذاب المهين، فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون هنالك بالكلية، ونظر إليه بعين الازدراء والغمص، فقال: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا [مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩)﴾؛ أي: أما أنت الذي ربيناه] (١) فينا وفي بيتنا وعلى فراشنا، وأنعمنا عليه مدة من السنين، ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة أن قتلت منا رجلًا، وجحدت نعمتنا عليك، ولهذا قال ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾؛ أي: الجاحدين قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم واختاره ابن جرير: (قال فعلتها إذًا)؛ أي: في تلك الحال ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾؛ أي: قبل أن يوحى إلي وينعم الله علي بالرسالة والنبوة.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم: ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾؛ أي: الجاهلين (٢).

قال ابن جريج: وهو كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١)(٣)؛ أي انفصل الحال الأول وجاء أمر آخر، فقد أرسلني الله إليك فإن أطعته سلمت، وإن خالفته عطبت،

ثم قال موسى: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٢)﴾؛ أي: وما أحسنت إليَّ وربّيتني مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل فجعلتهم عبيدًا وخدمًا تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك، أفيَفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأت إلى مجموعهم، أي ليس ما ذكرته شيئًا بالنسبة إلى ما فعلت بهم.


(١) زيادة من (ح) و (حم).
(٢) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٣) أخرجه الطبري من طريق ابن جريج عن ابن مسعود: (وأنا من الجاهلين)، وهي قراءة شاذة تفسيرية، وسنده ضعيف لأن ابن جريج لم يسمع من ابن مسعود.