للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأيام عند الله (١)، وبالجملة فهذا العشر قد قيل: إنه أفضل أيام السنة، كما نطق به الحديث، وفضّله كثير على عشر رمضان الأخير؛ لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيره، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه.

وقيل: ذلك أفضل لاشتماله على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وتوسط آخرون فقالوا: أيام هذا أفضل، وليالي ذاك أفضل، وبهذا يجتمع شمل الأدلة، والله أعلم.

(قول ثانٍ): في الأيام المعلومات: قال الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: الأيام المعلومات: يوم النحر وثلاثة أيام بعده (٢)، ويروى هذا عن ابن عمر وإبراهيم النخعي، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية عنه.

(قول ثالث): قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن المديني، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا ابن عجلان، حدثني نافع: أن ابن عمر كان يقول: الأيام المعلومات والمعدودات هن جميعهن أربعة أيام، فالأيام المعلومات: يوم النحر، ويومان بعده، والأيام المعدودات: ثلاثة أيام بعد يوم النحر (٣)، هذا إسناد صحيح إليه، وقاله السدي، وهو مذهب الإمام مالك بن أنس، ويعضد هذا القول والذي قبله قوله تعالى: ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ يعني: ذكر الله عند ذبحها.

(قول رابع): أنها يوم عرفة ويوم النحر ويوم آخر بعده، وهو مذهب أبي حنيفة.

وقال ابن وهب: حدثني ابن زيد بن أسلم، عن أبيه أنه قال: المعلومات: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق (٤).

وقوله: ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ يعني: الإبل والبقر والغنم، كما فصلها تعالى في سورة الأنعام ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ … ﴾ الآية [الأنعام: ١٤٣].

وقوله: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ استدل بهذه الآية من ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي، وهو قول غريب.

والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الاستحباب، كما ثبت أن رسول الله لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ، فأكل من لحمها وحسا من مرقها.

قال عبد الله بن وهب: قال لي مالك: أحب أن يأكل من أضحيته؛ لأن الله يقول: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ قال ابن وهب: وسألت الليث، فقال لي مثل ذلك.

وقال سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ قال: كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين، فمن شاء أكل ومن لم يشأ لم يأكل (٥)، وروي عن مجاهد وعطاء


(١) أخرجه أبو داود في سننه، المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ (ح ١٧٦٥)، والإمام أحمد (المسند ٤/ ٣٥٠)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ١٥٥٢.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم، وهو يخالف الرواية الصحيحة السابقة.
(٣) صحح سنده الحافظ ابن كثير.
(٤) سنده ضعيف لضعف ابن زيد، وهو: عبد الرحمن.
(٥) سنده صحيح وأخرجه الطبري من طريق مغيرة عن إبراهيم.