للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واستمع لقراءته، وقال: "لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود" قال: يا رسول الله لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرًا (١).

وقال أبو عثمان النهدي: ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار مثل صوت أبي موسى ، ومع هذا قال : "لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود".

وقوله: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ يعني: صنعة الدروع.

قال قتادة: إنما كانت الدروع قبله صفائح، وهو أول من سردها حلقًا (٢)، كما قال تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ]، أي: لا توسع الحلقة فتقلق المسمار، ولا تغلظ المسمار فتقد الحلقة، ولهذا قال: ﴿لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ يعني: في القتال ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ أي: نِعَم الله عليكم لما ألهم به عبده داود، فعلمه ذلك من أجلكم.

وقوله: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً﴾ أي: وسخرنا لسليمان الريح العاصفة ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ يعني: أرض الشام ﴿وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ وذلك أنه كان له بساط من خشب يوضع عليه كل ما يحتاج إليه من أمور المملكة والخيل والجمال والخيام والجند ثم يأمر الريح أن تحمله، فتدخل تحته ثم تحمله وترفعه وتسير به، وتظله الطير تقيه الحر إلى حيث يشاء من الأرض، فينزل وتوضع آلاته وخشبه، قال الله تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦)[ص] وقال تعالى: ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢].

قال ابن أبي حاتم: ذُكر عن سفيان بن عيينة، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير قال: كان يوضع لسليمان ستمائة ألف كرسي، فيجلس مما يليه مؤمنو الإنس، ثم يجلس من ورائهم مؤمنو الجن، ثم يأمره الطير فتظلهم، ثم يأمر الريح فتحمله . قال عبد الله بن عبيد بن عمير: كان سليمان يأمر الريح فتجتمع كالطود العظيم كالجبل، ثم يأمر بفراشه فيوضع على أعلى مكان منها، ثم يدعو بفرس من ذوات الأجنحة فيرتفع حتى يصعد على فراشه، ثم يأمر الريح فترتفع به كل شرف دون السماء، وهو مطأطئ رأسه ما يلتفت يمينًا ولا شمالًا، تعظيمًا لله ﷿، وشكرًا لما يعلم من صغر ما هو فيه في ملك الله ﷿، حتى تضعه الريح حيث شاء أن تضعه (٣).

وقوله: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾ أي: في الماء يستخرجون اللآلئ والجواهر وغير ذلك، ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ﴾ أي: غير ذلك، كما قال تعالى: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨)[ص].

وقوله: ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ أي: يحرسه الله أن يناله أحد من الشياطين بسوء؛ بل كل في قبضته وتحت قهره، لا يتجاسر أحد منهم على الدنو إليه والقرب منه؛ بل هو يحكم فيهم إن شاء أطلق وإن شاء حبس منهم من يشاء، ولهذا قال: ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨)﴾.


(١) أخرجه مسلم بدون الجملة الأخيرة (الصحيح، صلاة المسافرين، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن ح ٧٩٣).
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٣) سنده ضعيف لتعليقه وإرساله، وهو من أخبار أهل الكتاب.