للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في سورة الرعد (١) وأحسن ما فسر بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧)[الأحقاف].

وقال الحسن البصري: يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر (٢).

والمعنى: أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإنجائه لعباده المؤمنين، ولهذا قال: ﴿أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ يعني: بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون والأرذلون.

وقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾ أي: إنما أنا مبلغ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب والنكال، ليس ذلك إلا عمّا أوحاه الله إليّ، ولكن لا يجدي هذا عمَّن أعمى الله بصيرته وختم على سمعه وقلبه، ولهذا قال: ﴿وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٤٦)﴾ أي: ولئن مس هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله ليعترفنَّ بذنوبهم، وأنهم كانوا ظالمين لأنفسهم في الدنيا.

وقوله: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ أي: ونضع الموازين العدل ليوم القيامة، الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه.

وقوله: ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠)[النساء]، وقال لقمان: ﴿يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)[لقمان].

وفي الصحيحين عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله : "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن ليث بن سعد، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله : "إن الله ﷿ يستخلص رجلًا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلًا، كل سجل مدّ البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ قال: لا يا ربِّ. قال: أفلك عذر أو حسنة؟ قال: فيبهت الرجل فيقول: لا يا ربِّ، فيقول: بلى إنَّ لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم، فتخرج له بطاقة


(١) في الآية ٤١.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة الرعد آية ٤١.
(٣) صحيح البخاري، الدعوات، باب فضل التسبيح (ح ٦٤٠٦)، وصحيح مسلم، الذكر والدعاء، باب فضل التهليل والتسبيح (ح ٢٦٩٤).